الملحق الثقافي- سامر خالد منصور:
المجموعات الشعرية التي خطها الشاعر حسن إبراهيم سمعون تستحضر الحضارة بكل أبعادها ، بإنسانها والذي يتجلى بصوت الشاعر الذي يأخذ دور الراوي في عديدٍ من القصائد، ويطالعنا بين الحين والآخر بمرويات بعضها له ملامح ملحمية تراجيدية، و يُجلّي لنا قيم هذا الإنسان، و يحدثنا عن جغرافية المكان التي تتكون فيها جغرافيا الروح.
– اللغة :
كتبت القصائد بلغة حميمية دافئة ككفِّ قديس تُواسي وَجنَةَ مُذنب، فجاءت بصيغة العتب حيناً والرجاء والتمني حيناً آخر، و جاءت بنبرة حازمة واثقة تنمُّ عن الإباء في أحيان أخرى.
وهذا التنوع في أساليب اللغة العربية كما هو معروف، يُعطي القصائد رشاقةً ويجعلها تخفف من نمطيتها، كما كتبت القصائد بلغةٍ مُكتنزة بعبق الماضي الحضاري السوري من حيث التراكيب المسبوكة بعناية والألفاظ الجزلة التي تعبر عن بلاغة و وعي وخيال الإنسان السوري، جاءت التعابير اللغوية مُجللة بسحرية الأساطير مُستنبطة مما جاد به الخيال والواقع السوري من نزعة نحو العلوم والمثالية فنرى عشتار تميس بين سطوره تارة ونرى عدداً من الآلهة تختالُ تارةً أخرى، خاصة تلك المرتبطة بالخصب والحياة والبعث، استحضرها ليؤكد دورة الفينيق، استحضرها لتُضفي سَرمديتها وجلالها مُؤكداً عبر ذلك القيامة السورية وأن سورية مُعتادةٌ على الانبعاث من تحت الرماد.
1.. صَعبٌ أن تُـمسِكَ أقـلامي
والشَّيءُ الأوحدُ في يُمناكَ عَـصاً
تَـكسرُ خابيةَ الألوانْ
صَعبٌ أن تَـعْـزِفَ أحلامي
فالقـوسُ بكـفّـكَ سَيفٌ
ويُـذبُّـحُ في جِـيْدِ كَـمانْ
والأصعبُ أن تَـرقُـصَ مِثـلي
فالحِـبرُ العاقلُ في قَـلمي
2
يَـنحتُ شِـعراً مَجنوناً
لِيؤنسنَ ألسِـنةَ الحيطانْ
فأنا مِسمارٌ سوريٌ
لَـثـمَ الصَّخرَ فأنطـقـهُ
وتجلّى حرفيَ سُلطانـاً
يَـنـفـذُ من أقـطارِ الدُّنيا
لِـيَــرُشَّ الفـجرَ على الشُّطآنْ
– الاعتداد بالتراث :
تجلى الاعتداد بالتراث عبر الاعتداد بالشخصيات التي أثرت التراث السوري والعربي، على سبيل المثال، سواء كانت حقيقية أم مُتخيلة، مثال ذلك ما ورد عن الشاعر المَعري وذكره لـ..زينون، وباخوس و قدموس، وذكره لعددٍ من الآلهة السورية القديمة التي كان السوريون ينسبون لها الفضل في تعليمهم أشياء كثيرة تجسد البُعد الحضاري السوري المُتقدّم، كما في قصيدة نفخة عشتار على سبيل المثال التي ذكر فيها كلَّاً من إله المطر و إنانا وعشتار وهما من تجليات آلهة الخصب والأنوثة في المثيولوجية السورية، كما لم تغب مفردات هذا العصر عن القصائد أيضاً، مثال ذلك ذكره لـ التعدين ،الهمبورغر و الكولا في معرض انتقاده للعولمة والثقافة الاستهلاكية.
جاء في قصيدة ثورة الرؤيا
لم أستطعْ أن أنضوي
وأبَـتْ حُـروفي الانحشارَ بأسطـرٍ
تَـعـلو ثـناياها نُـقـاطٌ من هُـلامْ
كلُّ الفطور تكاثرتْ
في ظلّها الخشبي تبغي موطناً
إلا أنا !
فأنا سليلُ حكاية البازلتِ ..
والمسمارِ في منحوتة الرؤيا ..
1 قصيدة دَنّ أوغاريت
3
تَحِتُّ الجبسَ في وثَن الظلامْ
فـنـقاطُها الـنُّـوريّةُ العَـذراءُ مِـن
أكـوامِ ذاكـرةٍ قـديـمٌ عَـهـدُها
قِــدمَ الضّـياءْ
نَهلتْ شمـوسَ الحرفِ من
لوحي العـتـيـقِ وطـيـنـِهِ
ثَـمـلَـتْ بــهِ ..فـتَـجرأتْ
أن تلجمَ التَّـاريخَ في سَكراتهِ
وتَـلمَّ من عَـرَقِ السّنابل فِـتـيـةً
بشقوقِ كفِّ الحاصداتِ تباركوا
وتعاهــدوا
للبوحِ في آذارَ عن فجرٍ عِشاءُ رجالهِ
سرٌّ بكأسِ الهـنْـدَباءْ
تمثل هذه القصيدة صرخة في وجه محاولات الغرب الاستعماري لاستعمالنا كأدوات في أجنداته والتي فشلت، ففي قول الشاعر: كل الفطور تكاثرت في ظلها الخشبي تعبير عن الجمود والمحدودية و عن عدم اكتمال الكيان فهنا المقصود أنواع الفطر المُتطفلة صغيرة وضعيفة الجذور، لذلك هي تنمو على جذوع الأشجار وتسرق نسغها، وهذا حال من ارتضى أن يكون
من المرتزقة والعملاء وأداتهم في تخريب وطنه، ومن جهةٍ أخرى نرى في قوله وتَـلمَّ من عَـرَقِ السّنابل فِـتـيـةً بشقوقِ كفِّ الحاصداتِ تباركوا وتعاهــدوا مقدار تماهي الإنسان السوري الأصيل مع الأرض .. تماهي الذكور مع الإناث والأجيال الكبيرة مع الأجيال الصاعدة ، في عهد الانتماء حضاري الجذر.
– نلاحظ أن الشاعر سمعون في كثيرٍ من قصائدهِ عَمِدَ إلى الجمع بين المادي والمعنوي في تشكيله الشعري لرسم عالم مُتكاملٍ له روحه المُتأصلة فيه.
4
فأنا سليل حكاية البازلت والمسمار في منحوتة الرؤيا تحت الجبس في وثن الظلام، إنها روحنة المكان وتمكين الروح إن صح التعبير أو بمعنى أدق توطين الروح.
لمحة عن أعماله :
له عدد من الدواوين الشعرية منها: إمضاء على الشاهد مقامات التاسوعاء، قصار الصور، وله عدد من الدواوين المشتركة مع بعض الشعراء العرب والسوريون في الداخل والمهجر ومنها : رثاية النور، و مدي المواويل في تأبين الأديب طلعت سقيرق.
– يُذكر ان الشاعر حسن سمعون هو مؤسس وصاحب مشروع الديوان السوري المفتوح الذي صدر الجزء الأول منه عام 2016 وضم شعراء من جنسيات عربية متعددة كتبت لسورية.
العدد 1165 – 31-10-2023