الثورة – إعداد ياسر حمزة:
تخفي بعض الأشياء البسيطة التي نستعملها أو نستهلكها كل يوم, تاريخاً بأكمله, كما أنها, بحكم الاعتياد عليها, تفقد قدرتها على الإدهاش كما كانت عند اكتشافها.
فهل خطر ببال أحد يوماً أن كيس الشاي المألوف جداً عند الكثيرين, على بساطته يشكل قاسماً مشتركاً بين جميع الحضارات؟
لم يقصد توماس سيليفان, تاجر الشاي في نيويورك عندما وضع سنة 1908م أول كيس شاي في السوق, إلاّ التوفير بالنقل، فهو كان يضع أوراق الشاي في علب من التنك حيث كانت ثقيلة الوزن وباهظة الثمن.
فاعتقد أن وضع الشاي في كيس من الحرير أسهل للنقل، حيث كان عليه أن يبعث بكميات كبيرة لزبائنه، كما أن وضع أوراق الشاي في علب التنك تجعل المستهلكين الصغار غير قادرين على شرائها, لأنه لا يستطيع أن يضع كمية صغيرة في علبة واحدة.
وبالصدفة اعتقد بعض زبائن سيليفان أن المقصود بالشاي داخل الكيس, أن يغمّس بالإبريق, فيتحلل الشاي في الماء, ومن دون قصد, كرّس هؤلاء الزبائن بداية عادة جديدة وإنجازاً كبيراً في تاريخ الشاي المعاصر, سيتوسّع لاحقاً في كلّ بلدان العالم.
بحلول سنة 1920م, أصبحت أكياس الشاي في أمريكا تنتج للسوق على نطاق واسع، واستبدل الحرير بالشاش ثم بأكياس الورق التي تتسع لأحجام صغيرة وتكفي لكوب واحد, ثم انتقل استهلاكها إلى أوروبا, حيث تبلغ اليوم نسبة استهلاك الشاي بالأكياس 96 بالمئة من مجموع استهلاك الشاي العام.
ويبدو أن الصدف رافقت تاريخ الشاي منذ البداية, فكما تقول الأسطورة, كانت الصين مصدر اكتشاف الشاي, حيث كان الإمبراطور شين نونغ يزور منطقة نائية من إمبراطوريته قبل أكثر من 4500 سنة, حين قدّم له الشعب كوباً من الماء الساخن لضروريات صحية, وبالصدفة وقعت ورقة من الشجرة جعلت الماء بني اللون, فوجد الإمبراطور ذلك طيِّب المذاق وطلب بشرب المزيد.
وكما تحولت كلمة شاي من أصل صيني (Cha) إلى تاي (Tay) نسبةً إلى لغة المنطقة التي كانت صلة الوصل بين الصين وهولندا وهي فيوجيان، حيث كانت شركة التجارة الهولندية صلة الوصل بين هذين البلدين، ثم تحولت الكلمة إلى تي (Tea) لملاءمة اللهجة الإنجليزية، في حين أنها بقيت في أوروبا تلفظ تاي (Tay)، كذلك أيضاً تحوّل إبريق الشاي إلى كيس من ورق لملاءمة نمط حياة جديد.
كان الطقس الذي يرافق شرب الشاي يناهز بأهميته طعم الشاي نفسه, فبعض الحضارات القديمة كانت تعتبر جلسات الشاي جلسات احتفال، حيث كان الوقت يلعب دوراً أساساً فيها، وكان اللافت في تلك الاحتفالات الرائحة العطرية التي كانت تفوح من إبريق الشاي وتضفي على هذه المجالس جوّاً خاصاً.
أما اليوم فإن أكياس الشاي ألغت تلك المجالس وحشدت أوراق الشاي في مكان ضيق لا تتمكن من التمدد والانصهار مع الماء، هذا عدا أن نوعية الشاي في الكيس يمكن أن تكون أقل جودة, إلا أنها تعكس نمط الحياة السريعة التي آلت إليها البشرية.
صحيح أن مجالس الشاي التقليدية فقدت الجو الاجتماعي حول الشاي, لكن أكياس الشاي كانت قاسماً مشتركاً بين كثير من الحضارات المختلفة, وربما سبق كيس الشاي غيره في نسج علاقات العولمة باكراً.