الثورة – رويدة سليمان:
قلما فاتني عام ولم أكتب فيه عن بنات جنسي في اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة (وقد صادف الحادي والعشرين من الشهر الجاري)، وكنت في كل مقالة أحاول أن أؤكد على حضور حقيقي للمرأة في الأسرة والعمل والمجتمع، موثقا بالصور والقصص الواقعية في مواقع العمل المختلفة، بما فيها الأعمال الميدانية أو المجهدة، في زحمة التحديات والهموم، ولكن تخصيص يوم عالمي يعني أنه لايزال هناك جور وظلم يقعان عليها جسدياً ومعنوياً، وتشير الأرقام إلى مايقارب حوالي ٩٠% بريف دمشق هن معنفات من شرائح مختلفة.
المشهد النسوي في كثير من البلدان يشير إلى أن المرأة ملت من الدور الذي أعطوه لها لتتقن تقديمه ، أن تكون شمعة تضيء من أجل الآخرين وكذلك ثوب الرضا والقناعة والهناء الذي تتجمل به، فكل أزماتها تقطن في أعماق قلبها وقد تبتعد قليلاً لتسكن قلب أمها أو صديقة مؤتمنة، وأما بيتها فيجب أن يرفل كما يريده الرجل الزوج، ابتسامتها المشرقة، ومائدة عامرة بما لذ وطاب من صنع يديها، والأولاد لايسمع لهم صوت وقد ناموا بعد أن أنهوا واجباتهم المدرسية.
لو اقتطعنا من هذا المشهد النسوي يوميات امرأة عاملة بدءاً من لحظة استيقاظها قبل الجميع.. الزوج والأولاد وربما الجد أيضاً ،تلبي طلباتهم وتحضر حاجات ومستلزمات انطلاقهم إلى المدارس أو إلى العمل، فهي المسؤولة عن تحضير سندويشات أطفالها وتأمين حقائبهم المدرسية بالكتب والدفاترالمطلوبة، وفنجان قهوة الزوج وتذكيره بمفتاح المكتب وعلبة سجائره وكذلك موعد الدواء للجد وأي تقصير أو إهمال من أحد أفراد الأسرة فيما يخص احتياجاتهم الشخصية هي المقصودة بهجوم عائلي تسيطر عليه باستيعابها وحنانها وحبها ليستتب الأمان والهدوء، وأخيراً السؤال عن رغبتهم بطبخة اليوم .
مهام عديدة لا تنتهي عند انطلاقها إلى العمل بل تستمر عند عودتها وقبل أن تصل إلى البيت تتفقد المحال لشراء مايلزم لمكونات طبختها وفق السعر الأنسب، ومن لحظة دخولها تكون أولوية تحضير الغداء قبل خلع ثيابها، يتزامن معها الاستماع إلى مشكلات أولادها الدراسية وتأنيب صغيرتها لإهمالها نظافة يديها فور عودتها من المدرسة.
ترتب البيت وتضع الملابس في الغسالة وتساعد الأولاد في واجباتهم المدرسية، وتزور أمها خطفاً، وتعود بوجه مبتسم لتكمل مهماتها الأسرية ولاتنام قبل أن تطمئن على البيت كله.. تضع رأسها على المخدة فتطاردها الهواجس والمشكلات والتساؤلات، واجب الجارة والقرابة في تهنئة أو تعزية، واجباتها المهنية وكيف تتلافى تقصيرا ما، موعد طبيب الأسنان لابنتها وراتبها الذي ذاب في مصروف البيت من دون أن تشتري لنفسها شيئاً، وطبخة بكرا ؟!
هذه نسخة من يوميات امرأة عاملة هي متعبة ضجرة مستهلكة جسداً وروحاً، وأضف إلى ذلك عليها أن تصغي لنصيحة أمها وجدتها فيما يخص كسب قلب وعقل الزوج.. لاتتحدثي إليه بما يمكن أن يزعجه فور عودته من العمل سيكون متعباً وأعصابه لاتحتمل.
وغدت المرأة عاملة.. فهل نصح أحدهم الرجال بنصيحة كهذه، أم أن المعادلة صعبة؟