هل الفن ضرورة..؟!

الملحق الثقافي- محمد خير الهواري:
إننا فيما نشاهده اليوم في عالمنا على صعيد الظروف والبشر القاطنين فيه، من اضطرابٍ وفوضى ومعاناة و قبح يدعو إلى الاشمئزاز حيناً والرعب حيناً آخر، إن ما يولده فينا هذا من مشاعر نفور وألم يدفعنا إلى الشعور والوعي بضرورة اجتثاث هذا القبح من قلوب البشر والعالم المحيط بنا و التوجه بهِ نحو الأفضل، لذلك لا بدَّ في مواجهة كل تلك القيم أن نسعى إلى تحقيق القيمة المضادة وهي قيمة الجمال، وذلك لتجميل هذا الواقع المرير بُغية إحداث توازن وتناسب وانسجام في هذه الحياة.
نحن في حاجة ماسّة للتناسب التام وللانسجام الذي إما أن يكون كلياً أو لا يكون، والذي هو بحد ذاته أي الانسجام ضرورة اجتماعية لكي يتم الحفاظ على وجود أي مجتمع، وحمايته من الاندثار والتشظي.
إن هذا الانسجام يمكن تتبعه في الفن حيث إن الفن ينطلق بدايةً من خدمته للقيمة الجمالية في الأعمال الفنية المتمثلة في لوحات – تماثيل – قصائد .. إلخ ساعياً لتحقيق الانسجام بين الخطوط والألوان، أو الأصوات والإيقاع والألفاظ.
بيد أنه لا بدَّ من تجاوز ذلك النوع من التناسب والخروج بهِ إلى مستوى أعلى شمولاً وكليّة، أي ضرورة الخروج بهِ إلى مستوى الحياة الاجتماعية وما تحتويه من عناصر انسجام بين الأفراد – انسجام بين المؤسسات … الخ ويغدو هاهنا الفن مصلحاً أخلاقياً واجتماعياً يحمل رسالة بالغة الأهمية غايتها إعادة تشكيل المجتمع وهيكلة أخلاقه من جديد في صورة جديدة ذات صبغة جمالية فنية.
إن الفن لا يقتصر فقط على التعبير عن المجتمع بل لابدّ له من تجاوز هذه المهمة إلى المحاولات الجاهدة في تطهيره من ضروب المأساة والمعاناة التي تكتنفه.
ولكن كيف يمكن للفن أن يعيد تشكيل الواقع من جديد وتحقيق الاتساق والانسجام بين أجزائه المتبعثرة منطلقاً نحو طبعه بالقيمة الجمالية.. و ماهي ملكة ذلك ؟!
وهل الخيال الفني يفي بهذا الغرض في واقعنا ووقتنا الراهن أم أنه حالة من الشطط والهروب؟!
إن بعد رصد الواقع الذي نعيش بهِ بملكة الإدراك; التي نحلل ونناقش ونصل من خلالها لأحكام، وخزن هذه الصور المتفرقة المبعثرة بملكة الذاكرة لابدّ من إعادة تجميع أجزائه أي الواقع من جديد بناءً على تصور إبداعي جمالي جديد.
إن قوة الإدراك والذاكرة تتميز بحتميتها وببعدها الواحد حيث أنهما لا يتعاملان إلا مع وقائع جزئية، فمثلاً الذاكرة تحفظ أحداث متقطعة أما الإدراك يحلل ويناقش المشكلات كل منهما على حدة، لذلك نجد كلاً منهما يفتقر إلى تلك النظرة الشمولية التي يحتاجها الواقع والمجتمع لربط أجزائه مع بعضها البعض بوحدة واحدة، كما أنهما مفتقران إلى الحرية في التنقل بين تلك الأجزاء المتشظية والمتبعثرة، حيث إن قوة الذاكرة تحصر نفسها بما حدث رغم أنها تستحضره الآن، وقوة الإدراك تحصر نفسها بملاحظاتها الآنية رغم أنها في بعض الأحيان تعود لتحليل أجزاء من الماضي.
إن القوة الوجدانية التي لها من الخصوبة والحيوية ما يمكّنها من دعم القوة السابقة الإدراك والذاكرة في خلق تلك الأجزاء من جديد في إطار وتصور إبداعي إننا لنجدها تلك الحرية الشمولية في قوة المخيلة التي تستطيع التنقل بين الأجزاء المختلفة و إعادة تجميعها وإن كانت مختلفة فيما بينها وصهرها في بوتقة واحدة، تلك القوة الوجدانية التي تستطيع من تلك التحليلات المُتفرقة لتلك الذكريات المبعثرة أن تعيد صياغتها بأسلوب فني جديد بعيد عن تلك القيود الزمانية والمنطقية الآلية.
ولكن قد يتساءل الإنسان حول الصورة التي ستعود المخيلة إلى هيكلة العالم وفقاً لها من جديد بطريقة فنية جمالية.
من أين لملكة الخيال بهذه الصورة التي وفقاً لها ستعاود هيكلة العالم والمجتمع من جديد ؟!
إن المخيلة وما تذخر بها من صور لابدَّ وأن تكون استمدت هذه الصور من الواقع، ولكن كانت جذورها من الواقع، فكيف لها أن تعيد تشكيل الواقع بطريقة جديدة ؟!
وألا نكون بذلك عدنا إلى الواقع وما يحملهُ من آلام من جديد ؟!
إن المخيلة لا يتوقف عملها عن استمداد صورها من الواقع، بل تتعدى هذا العمل بالتوسيع من نفسها ومن مجالها، فتقوم بانتقاء الصور التي حفظتها قوة الذاكرة بل وتقوم بإعادة تشكيلها على نحو إبداعي مبتكر.
فتقوم إما بالتضخيم من جوانب أو التقليل والتحقير من بعضها الآخر.
إن هذا بوجه عام تقوم بهِ مخيلة الفنان أيضاً ولكن على نحو أكثر خصوصية، حيث إن الفنان يضبط خياله جمالياً أي وفقاً لمبدأ يرى فيه الجمال أي بتزعم قيمة الجمال وما تزخر بهِ من قيم كامنة، وهنا تقوم قواه الوجدانية الإدراك، الذاكرة، الخيال بالتآزر مع بعضها البعض ولكن بإرادة فنية موجهة، لتنسجم العاطفة مع العقل معاً في إطار واحد.
فتأتي المخيلة الشموليّة الحرَّة بنظرتها الجمالية الفنية لتقوم بوظيفتها التي نوهنا لها فيما سبق التطهير حيث تقوم بتطهير الواقع من خلال التضخيم والتشجيع من قيم تجد لها ضرورة مجتمعية ملحة كالخير والعدالة والجمال والمحبة والوفاء والصدق والأمانة
والاحترام والنزاهة، والتحقير من قيم مضادة نقيضة يضج بها الواقع من شرور وآلام وقبح وخيانة وكره وجهل وتشظ.
لذلك أنه لا بدَّ من الانتقال والتجاوز بتلك القيم وذلك الانسجام من الآثار الفنية المتمثلة في الرسوم إلى الواقع الاجتماعي والأخلاقي والفكري ليغدو حل مسألة الفرد والمجتمع حلاً فنياً جمالياً يأتي متوجاً للقوتين السابقتين الذاكرة والإدراك; ومتوجاً للحلين الفكري والأخلاقي معاً.
ليغدو الخيال الفني ضرورة اجتماعية ملحة في إعادة هيكلة الواقع بأبعاده الاجتماعية والأخلاقية والفكرية، منطلقاً من الواقع إلى الواقع ولكن برؤية جديدة.
                          

العدد 1169 –  28-11-2023   

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها