الثورة – قراءة ديب علي حسن:
كان أحد القادة يقول إن امبراطوريتي تصل حيث أقدام آخر جندي يقف.. بمعنى آخر إن القوة العسكرية هي التي كانت تحدد اتساع الإمبراطوريات والقدرة على حمايتها.
ولكن بعد انهيار النظام الاستعماري بشكله القديم وتفتق عبقرية الاستغلال الغربي عن الكثير من وسائل الاستغلال والسيطرة، جاءت قوة المال لتكون هي التي ترسم حدود الإمبراطورية وبالتالي تم استخدام مصطلح حدود القوة حيث تستخدم عملتك.
وعلى هذا الأساس كان الدولار منذ ما يقارب أكثر من سبعين عاماً هو المسيطر كنقد عالمي، تم الاتفاق عليه وفق شروط لكن واشنطن لم تنفذ منها شيئاً.
ولم يتقدم سوى طباعة المزيد من الورق الذي لا يكلفها شيئاً هي ولا تدعمه بأي رصيد آخر.
الدولار يفقد بريقه وسطوته
هذا ما يناقشه كتاب (غروب إمبراطورية الدولار ونهاية “السلام الأمريكي”) تأليف: ميخائيل ليونيدوفيتش خازن، وأندريه بوريسوفيتش كوبياكوف. ترجمة: د. م. نور الدين سعود، والذي صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب.
يتضمن هذا الكتاب مجموعة من الدراسات والأبحاث التي تتصف بالجرأة كونها تتعرض لأحد المحرمات الأمريكية، التي تُعدّ دعامة رئيسة من دعامات السيطرة والنفوذ الأمريكيين في العالم، ألا وهو الدولار الأمريكي ودوره، بوصفه معياراً للقيمة والعملة الوحيدة المعتمدة في التعاملات الدولية على امتداد عقود طويلة، بعد أن نجحت هذه العملة في سرقة الوظيفة التي شغلها الذهب لآلاف السنين.
يرى مؤلفا هذا الكتاب أن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية بريتون – وودز وجّه ضربة قوية لكل اقتصاديات العالم، وفي الوقت نفسه بدأت الثقة بالولايات المتحدة وعملتها الوطنية تهتز بشدة، وأن هذه الإمبراطورية آيلة إلى الزوال طال الزمان أم قصر، مستندين في ذلك إلى مجموعة من البيانات والأحداث.
هذا الكتاب موجّه لشريحة واسعة من القرّاء وفي الدرجة الأولى للاقتصاديين والسياسيين والإعلاميين ورجال الأعمال والمستثمرين.
كتاب (غروب إمبراطورية الدولار ونهاية “السلام الأمريكي”) تأليف: ميخائيل ليونيدوفيتش خازن، وأندريه بوريسوفيتش كوبياكوف. من يظن أن الاتحاد الروسي بعد تفكك الاتحاد السوفييتي قد استكان أو هدأ وقبل بالأمر الواقع على الرغم من كل ما جرى في روسيا من محاولات قادها البعض للمضي في ركب القطار الأميركي.
وكنا قبل هذا الكتاب قد توقفنا عند كتاب مهم صدر عن دار علاء الدين بدمشق يناقش مثل هذه القضية وحمل عنوان: الأزمة كيف تفتعل، (وهو لمؤلفه دكتور نيكولاي ستاريكوف من أهم الكتب التي تناولت ما حدث، والأزمة التي تكررت بأشكال وألوان حتى بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.
ترجم الكتاب إلى اللغة د. سعيد باكير وصدر عن دار علاء الدين بدمشق منذ فترة من الزمن أي قبل فترة ليست قصيرة من الحرب التي تجري في أوكرانيا، وعلى سبيل المثال، يطرح المؤلف السؤال الذي يكرره الخبثاء الذين يمضون في ركب الانحراف الغربي.. ألا وهو لماذا سعر البنزين في الولايات المتحدة أرخص مما هو عليه في روسيا الدولة المصدرة للنفط..؟
يجيب على السؤال معرَّياً الاحتيال الأميركي على العالم كله.. يرى المؤلف أن الدولار الأميركي الذي هو العملة العالمية التي تم الترويج لها واستخدامها هو أساس البلاء في كل الحروب والمشكلات والانهيارات التي تحدث وحدثت.
الدولار عملة بلا قيمة ولا رصيد أبداً، واليوم ببساطة يمكن القول إن واشنطن عرفت منذ زمن بعيد أنها لا تستطيع النصر عسكرياً على الاتحاد السوفييتي فكانت حرب الدولار، وبالتالي الذي أدى إلى انهياره ليس عسكرياً إنما حرب الدولار.
وأميركا تسيّر طائراتها وحاملاتها إلى كل مكان في العالم لحماية دولارها الذي أصبح أداة الهيمنة والاستغلال وفرض القرارات ونهب الشعوب.
والدولة التي ترفض التعامل به تتعرض للغضب الأميركي والقصف والتدمير.
سلاح أميركا الفتاك..
والحرب كما يقول المؤلف هي بين الروبل والدولار، ولن تعود روسيا قوية ما لم يعد الروبل ويصبح عملة عالمية- كان ذلك منذ عام ٢٠١٤- وهو الآن حقيقة واقعة.. والدول ليست قوية إلا بما تصل إليه عملتها الوطنية.
ويرى المؤلف أن طباعة كل مئة دولار من دون رصيد تكلف عشرة سنتات، وبالتالي تعمل طابعة النقود بلا توقف وتصدر دولارات لا رصيد لها، لكنها تشتري كل شيء وبالتالي يكاد يكون سعر النفط الذي تشتريه واشنطن شبه مجاني.
بينما في روسيا والدول المنتجة له يتم دفع تكاليف باهظة الثمن، أي أن واشنطن تغرق العالم بدولارات لا رصيد لها ولا أحد يستفيد منها كقوة شرائية أكثر منها.
ويرى المؤلف أن الأمريكيين يمضون في خداع العالم، إذ يقومون بالحصول على ثروات العالم مجاناُ، والدفع مقابلها ورقاً أخضر ثم بخدعة حاذقة يلمون الورق الأخضر المسمى دولارات، وبدلاً منها يعطون ورقاً من لون آخر يسمى سندات خزينة الدولة الأمريكية.
حروب اليوم..
يرى المؤلف أن العملة الصعبة اليوم ليست مجرد نقود، وليست مجرد سك وطباعة، أو وسيلة للدفع، إنها سلاح فائق الأهمية في الصراع مع المتنافسين، فيما مضى كان نفوذ الدولة ينتهي حيث تمكنت دباباتها من الوصول… فالدبابات السوفييتية وصلت برلين، وهناك انتهى نفوذ الاتحاد السوفييتي.. لكن العالم تغير منذ ذلك الحين فالولايات المتحدة هي الدولة الرئيسة في العالم لأن دولارها نفذ إلى العالم كله.
وكلما زاد معروضه في العالم تعلن إفلاس شركات وبنوك، وتدعي زيادة الديون وتشتري البنوك التي تجبرها على الإفلاس وتبدأ طابعة النقود بالعمل من جديد.
حرب اليوم هي حرب العملات… وروسيا كما قال يجب أن تعمل على أن يكون الروبل عملة عالمية لأنه برصيد حقيقي وليس من دون رصيد…).
والكتابان ضروريان معاً، يكمل أحدهم الآخر، وإعادة قراءة الكتاب الثاني ضرورية جداً لاستكمال ما يقدمه الكتاب الذي صدر عن الهيئة العامة للكتاب.