الملحق الثقافي- علي حبيب:
تحدثت الدكتورة نجاح العطار في افتتاح المؤتمر السّنوي لمجمع اللّغة العربية بدمشق، 2019 عن واقع اللغة العربية :
نحن أبناء أمة تحمل إرثها في دمها، وفي ذاكرتها، وفي لغتها المشحونة بهذا الموروث العظيم.
.ولغتنا هي هويتنا، ونحن المؤتمنون عليها، واللغة عندما تصبح هويّة تصبح هي الحضارة والثقافة والفكر والأدب ..بل تغدو المعطى الوجودي الأشدّ أهميّة في حياة الأّمة والحلقة المركزيّة التي تعكس خصائصها وتربط بين أجيالها، فهي ليست لغة فحسب، وإنّما هي تراث وضمير وتكوين نفسي وعقلي ووطني وانتماء إلى تاريخ كان بعضاً من رسالتنا إلى الدّنيا ومن إسهامنا في بنيان العالم.
وإذا كانت اللّغة هي الوحدة الكيانيّة في صميم كّل أمّة وهي الضمير الجماعي لها ..الّنّاظم لتماسكها، ولنسيج حياتها الإنسانيًّة وجوداً وتناميًا ولإرادتها الكليّة فإنّ اللغة العربيّة، كما الثقافة العربيّة، هي فوق ذلك الرّابطة القوميّة الأصيلة بل الوحدة والآصرة والعروة الوثقى التي صمدت واستعلت وحققت انتصارها في وجه كلّ المحاولات التي استهدفتها حين استهدفت تغييب الثّقافة العربية بعامّة واستلابها أهم مقوماتها ::اللغة العربّية.
وظّلت اللغة العربيّة التي تنّزل بها الوحي العظيم، وصيغت الآيات البيّنات الرّائعات، والتي تشكل أهم مكونات قوميتنا العربية ظلت الجامع والحافظ للتراث العربي، ماضياً وحاضراً واللسان الذي يوحّد أبناء أمتنا جميعاً، ويشّد بعضهم إلى بعض كالبنيان المرصوص، ويضمن لهم وحدتهم الثقافية، على مدار القرون ويضفر عزائمهم في طريق الكفاح وفي مواجهة الحقب المظلمة من التاريخ.
وينبغي ألا ننسى أنّ لغتنا العربية لم تسقط يوماً في الجمود والانغلاق واستطاعت أن تواكب فعلاً العصور كّلها التي مّرت عليها وأن تكون لغة كلّ عصر بكلّ معطياته، وبما في ذلك مراحل الوهن من تاريخها لتحقق انتصارها الرائع وقدرتها الفائقة على نقل كلّ ألوان الحداثة وعلومها وفلسفاتها، في أشكالها الأكثر ثوروية، ومصطلحاتها المرتبطة بجديد مفاهيمها، وما ترجم من كتب واستخدم من تقنيات المعلوماتيّة يصلح شاهدًا على ذلك..
…أتوجه إلى كلّ الذين انساقوا وراء مفاهيم خاطئة هي نتاج غزو فكري أجنبي مكشوف أو مقنع اتجه بنا تحت اسم الحداثة أو العصرنة إلى طرح الأمور طرحًا خاطئاً، قد يسهّل الّسقوط على أعتاب نمطيات (كليشيهات) معادة أو مستعادة تتنكّر للتراث واللغة من أهم مكوناته ..في سخرية مارقة مدعية أنّ اللغة تشكّل عائقاً أمام التقدم بما لا يسمح ببناء مستقبل أكثر تطورًا وهنا المفارقة ..ومن هنا يأتي الإصغاء الحالم إلى توصيات دوائر أجنبية ومؤسسات، تملي علينا ضرورة التخلي عن لغتنا في التعليم إذ لا سبيل إلى الدخول في العصر الاّ باستخدام لغات الدول العظمى، بل الدولة الأقوى ومنذ المراحل الأولى حتى ينشأ أبناؤنا في إطار معارف العصر.
إنّ ما هو مطلوب منّا في وجه هذه الأطروحات أن نكون أشدّ وعياً وحذرًا من انبتات جذورنا الحضارية الباهرة وإضاعة كنزنا الثقافي، وإحداث قطيعة معرفيّة بين تراثنا وراهننا، وتغريب تذوب معه الشخصيّة الوطنيّة العربيّة ..ويحكم على أوطاننا باغتراب الفئة المتعلمة فيها عن مواطنيهم، وبالتعثر في الإبداع والسقوط في حال من الضياع، إذا هم أغفلوا لغتهم وتعّلموا بلغة الغير وحدها…مما يمنع عليهم الاندماج الاجتماعي والسياسي والثقافي، أو إمكان الإسهام في خلق نموذج عربي للتحديث الفكري والعلمي، في مجتمعاتهم التي تسعى إلى تحقيق نهضتها غير المنبتة أو المنقطعة عن الجذور.
إنّ ما هو مطلوب منا ألاّ نسمح بعزل لغتنا ووضع الحواجز أمام انطلاقها أو إعطائها كفاء ما تستحق منّا تحت أيّ ذريعة من ذرائع تزييف الوعي، تتهمها جهلاً وزورًا، بالقصور وبعدم القدرة على أن تكون لغة علم أو لغة فكر مما يعني الحكم عليها بالتوقف أوالجمود، هي التي أبدع فيها المبدعون، ولا يزالون، في شتى ميادين الفكر والعلم ونقل المترجمون وينقلون إليها أبلغ النصوص العلميّة والفلسفيّة المرتبطة بالمعارف المتطورة.
وتخاطب حراس اللغة أعضاء مجمع اللغة العربية قائلة.:أيّها المجمعّيون _يا حّراس اللغة في وطننا العربي الكبير والماجد..
المسافات بين الأهل للأسف تتباعد والمراوغات الدوليّة بأشكال عدوانها تتمادى، والأرض تنهب ..وحقوق الشّعوب كلمات لا تحمل دلالاتها وحرياتها مغّيبة والإحساس الفوقيّ في غلوائه ..وأمتنا العربيّة تحتاج إلى الحفاظ على مصداقية توجهها،
وإلى تعزيز الإيمان بلغتها التي صار القابض عليها كالقابض على الجمر، وعلى اسم العلم والحداثة ترتكب بحقها خطايا لا حد لها…
وتتوقف عند ما أولاه ويوليه السّيد الرئيس بشّار الأسد لّلغة العربية من اهتمام كبير…
لقد كان للغة في تفكيره حيز كبير تجلّى، وانتم تعرفون، في قرار مؤتمر قمة دمشق الذي يخّص اللغة العربيّة والذي كان تالياً لقرارات أخرى اتخذها، طليعتها المشروع القومي للتمكين للغة العربيّة والاهتمام بتجديد مجمع اللغة العربية ويرفع التغريب عن مدننا التي أراد لها أن تكون قلاع صمود وموئل قلم، ونبت وعي أصيل، بدور الثقافة في تقدم الأمم ودور اللغة في تحصين الوعي.
العدد 1172 – 19 -12 -2023