“الذكاء الصناعي في قفص الاتهام”

الذكاء الصناعي مجال تبلغ الاستثمارات فيه عشرات، أو مئات المليارات، وهو يشهد تطوراً سريعاً، ومثيراً للاهتمام في عالم التكنولوجيا اليوم، إذ يتم استخدامه في العديد من المجالات بدءاً من التشخيص الطبي إلى تطوير نظم النقل والسيارات ذاتية القيادة، إلى المجال العسكري، والآخر الصناعي، والتعليمي، والزراعي، والأمني، وكذلك الخدمات المصرفية والمالية، والتجارة الإلكترونية، وغير ذلك كثير.

ومع ذلك.. وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة التي يمكن أن يوفرها، وما يُتوقع أن يؤثر من خلاله بشكل أكبر في مختلف جوانب الحياة البشرية، فإنه يجد نفسه في قفص الاتهام في بعض الأحيان ولاسيما أنه يتغير، ويتطور بسرعة كبيرة.

ومما لاشك فيه أن هذا التطور التكنولوجي الذي أحدث ثورة في حياتنا سيغيرنا كأفراد، وكمجتمعات على الرغم من أن مستقبله ليس واضحاً تماماً بما يكفي لمعرفة ماذا سيجري في عالمنا في قادم الأيام ونحن نواكب هذا التطور بحماسة، واندفاع كبيرين على الرغم من توجسنا من مخاطره التي بدأت بوادرها تظهر للعلن، وليس أولها ولا منتهاها عمليات الاحتيال المختلفة والتي تتوسع عبر شبكة المعلومات، والتزييف العميق وما ينتج عنه من معلومات مضللة ما يجعلنا نشك في كل ما يرد إلينا من معلومات يختلط معها الصحيح بالمزيف، وشن الهجمات الإلكترونية ضد الدول، وغير ذلك كثير أيضاً مما يدعمه الذكاء الصناعي. وإذا كانت الدول قد أنشأت هيئات خاصة لكشف عمليات التزييف فإن إيقافها ليس بالأمر الممكن، إذ إن اكتشاف إحداها سيدفع إلى تطوير أخرى أكثر ذكاءً من سابقتها.

يعود أحد التحديات الرئيسية للذكاء الصناعي التي تجعله في قفص الاتهام إلى مسألة الأخلاق وهي ترتبط بالمسؤولية في الوقت ذاته، فبعض العاملين في هذا المجال يثير قلقاً مشروعاً بشأن تأثير ذلك الذكاء على سوق العمل، والوظائف المتاحة فيه حيث يمكن أن تحل (الروبوتات)، والأتمتة محل العمال من البشر في بعض الصناعات، ما يؤدي إلى فقدان فرص العمل بسبب الآلة الذكية التي تسلب، وتفاقم الخلل في العدالة الاجتماعية.. وكذلك هو حال المعلمين الذين ينظرون في سابقة تاريخية بتوجس إلى مستقبلهم الذي سيقوض فيه الذكاء الصناعي عملهم حتى باتوا يمنعون طلابهم من الاستعانة به.. ويضاف إلى ذلك تلك المخاوف التي تتعلق بالخصوصية، والتهديدات الأمنية إذا ما تم استغلال البيانات، والمعلومات الحساسة من قِبل أنظمة الذكاء الصناعي.

مشكلة أخرى يواجهها الذكاء الصناعي هي انحيازاته الخاطئة، والتمييز الذي يقوم به مادام يعتمد على مدخلات البيانات التي يتم تغذيته بها، فعندما يكون هناك تحيّز ما في هذه البيانات نتيجة قناعات بعينها فإن آثارها ستتجلى في المخرجات.

ليس هذا فحسب، فالذكاء الصناعي يواجه أيضاً تحديات أخلاقية أخرى متعلقة بالشفافية. ففي بعض الحالات يمكن أن تكون قراراته غامضة، وغير قابلة للتفسير، ما يجعل من الصعب على الأفراد فهم الكيفية التي تم فيها اتخاذ القرارات، ومن ثم التحكم فيها. وهذا بدوره يثير أسئلة حول المصداقية في التعامل معه، وحق الأفراد في معرفة الأسباب وراء القرارات التي تؤثر في حياتهم.

إلا أنه مع كل هذه التحديات، والقلق حيالها، بات من المهم دراسة مسارات الذكاء الصناعي، ومناقشتها بعناية لكي نتمكن من أن نضع إطاراً أخلاقياً لها، وقوانين مناسبة لتوجيه استخدامها، ولحماية المجتمع من أخطاء محتملة. كما يجب أيضاً تعزيز البحث العلمي، والتطوير في مجالاته لضمان استخدام الذكاء الصناعي بشكلٍ مسؤولٍ، وفعّالٍ.

وعلى الرغم مما سبق من التحديات فلا يسعنا إلا أن نعترف بأن الذكاء الصناعي يمثل إمكانات هائلة للتقدم، والابتكار في مجالات عديدة لا نستثني منها تحسين الاستدامة البيئية وتقليل استهلاك الموارد الأرضية.. فالتوازن مطلوب بين الاستفادة من فوائد الذكاء الصناعي ومواجهة التحديات، وإدارة المخاطر المرتبطة به. وهذا بدوره يتطلب تعاوناً شاملاً بين حكومات الدول، وشركات التقنية، والمجتمع المدني، لوضع إطار قوانين، وأنظمة تنظيمية تحمي حقوق الأفراد، وتضمن الشفافية في الاستخدام.

وكما أنه عند التعامل مع محركات البحث تولد الإجابة المطلوبة من ذكاء السؤال ودقته، كذلك فإن قفص الاتهام قد يتسع، أو يضيق باتساع آفاق الابتكار، والإبداع، والاكتشاف، وقدرة الذكاء البشري على ضبط إيقاع الذكاء الصناعي، ومعايير السلامة.

* * *

آخر الأخبار
صندوق التنمية.. أفق جديد لبناء الإنسان والمكان "صندوق التنمية السوري"..  أمل يتجدد المجتمع المحلي في ازرع يقدم  350 مليون ليرة  لـ "أبشري حوران" صندوق التنمية يوحد المشاريع الصغيرة والكبيرة في ختام المعرض.. أجنحة توثق المشاركة وفرص عمل للشباب مدينة ألعاب الأطفال.. جو مفعم بالسعادة والرضا في المعرض في "دمشق الدولي".. منصات مجتمعية تنير التنمية وتمكن المجتمع كيف يستخدم شي جين بينغ العرض العسكري لتعزيز موقع الصين ؟ من بوابة السيطرة على البحار.. تركيا تصنّع حاملة طائرات تتجاوز "شارل ديغول" التداول المزدوج للعملة.. فرصة لإعادة الثقة أم بوابة للمضاربات؟! مواطنون من ريف دمشق: صندوق التنمية سيكون سيادياً سورياً الوزراء العرب في القاهرة: فلسطين أولاً.. واستقرار سوريا ضرورة استراتيجية عربية أهالٍ من درعا: إطلاق "صندوق التنمية السوري"  فرصة لإعادة الإعمار "صندوق التنمية السوري".. خطوة نحو الاستقرار الاقتصادي والسياسي الأمم المتحدة تؤكد أن لا حل في المنطقة إلا بقيام دولة فلسطينية "التقانة الحيوية".. من المختبر إلى الحياة في "دمشق الدولي" تقنية سورية تفضح ما لا يُرى في الغذاء والدواء انعكاس إلغاء قانون قيصر على التحولات السياسية والحقائق على الأرض في سوريا حاكم "المركزي": دعم صندوق التنمية السوري معرض دمشق الدولي.. آفاق جديدة للمصدّرين