الثورة – منهل إبراهيم:
انطلاقاً من طبيعة العلاقات المتوترة بين الصين والولايات المتحدة، بفعل العديد من العوامل والقضايا واستمرار الخلافات الأساسية بينهما، فإن التوقعات تتجه نحو القول بعدم حدوث تقدم كبير في العلاقات على المدى القريب، كما أن الطبيعة المعقدة للتوترات الثنائية، فضلاً عن حالة عدم اليقين التي تلوح في الأفق والتي تتعلق بشكل كبير بما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام المقبل، يجعل الصين حذرة بشأن تقديم التزامات جوهرية.
واستطاعت الصين الاستثمار في تاريخها الطويل الخالي من السلوك الاستعماري، فهي لم تكن إمبراطورية استعمارية تعيش على نهب ثروات الشعوب، أو الاتجار بالبشر، وتدمير البلدان الأخرى كما فعل الاستعمار الغربي الذي دمر العديد من المناطق وترك آثاراً بعيدة المدى على الشعوب التي اضطهدها واستعمرها.
وركزت الصين على نموذجها الفريد في بناء الدولة وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، بالإضافة إلى العديد من العوامل الأخرى التي تلقى قبولاً لدى العالم، على عكس الولايات التي تتدخل بشكل سافر في شؤون الدول وفي مقدمتها الصين وتثير القلاقل والفوضى في أرجاء المعمورة.
ورفعت الصين العديد من المبادئ التي لقيت قبولاً كبيراً لدى الدول الأخرى، مثل عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والمساواة بين الدول بغض النظر عن حجمها، وكذلك تقديم نفسها على أنها دولة نامية.
والصين تعرب في كل مناسبة تسنح عن رفضها الشديد للتدخل الخارجي في شؤونها الداخلية، وتدعو إلى التوقف عن خلق المواجهات وتفاقم التوترات الإقليمية.
وتعارض الصين بشدة قيام دول بتشكيل دوائر صغيرة حصرية باسم التعاون والتدخل بشكل صارخ في الشؤون الداخلية لبكين ومهاجمتها وتشويه سمعتها والتحريض على المواجهة، ما يشكل قلقاً بالغاً إزاء المحتوى غير المناسب المتعلق بالصين في الوثائق والحوارات ذات الصلة التي عقدتها الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية.
إن الوضع الحالي في بحر الصين الجنوبي مستقر بشكل عام، والصين دافعت بحزم دائما عن سيادتها الإقليمية وحقوقها ومصالحها البحرية، كما أنها تلتزم بالتعامل بشكل صحيح مع الخلافات مع الدول المعنية من خلال الحوار والتشاور إلا أن بعض الدول من خارج المنطقة وفي مقدمتها أمريكا تستعرض قوتها وتثير المواجهة في بحر الصين الجنوبي، الأمر الذي لا يفضي إلى السلام والاستقرار.
وتعتبر الصين أن تايوان جزء لا يتجزأ من أراضيها، وقضية تايوان هي شأن داخلي صيني بحت ولا تسمح بأي تدخل من أي قوى خارجية، وترى بكين أن مفتاح الحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان هو الالتزام بمبدأ صين واحدة، والمعارضة الحازمة للنزعة الانفصالية لاستقلال تايوان.
الصين تعي ما يجري حولها وترسل الرسائل الواضحة للغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ ليست لعبة شطرنج بين القوى الكبرى، ويجب احترام جهود دول المنطقة للحفاظ على السلام والاستقرار والتخلي عن عقلية الحرب الباردة والتوقف عن خلق المواجهات بين المعسكرات وتفاقم التوترات الإقليمية.
والجدير ذكره أن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين تدهورت بشكل كبير خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث عمل خلال فترة حكمه على فرض تعريفات جمركية وعقوبات ضد الشركات الصينية بغية إنعاش التصنيع المحلي.
وقد استمرت تلك العلاقات في توترها في عهد الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، الذي واصل جهود سلفه في استعادة قوة التصنيع الأمريكي، وممارسة مزيد من الضغوطات على الصين عبر تضييق الخناق على شركات التكنولوجيا الصينية.