تساءل الفيلسوف “مايكل ساندل” في خاتمة كتابه (ما لا يستطيع المال شراءَه): “هل نريد مجتمعاً كلّ شيء فيه للبيع؟ أو هل هناك بضائع أخلاقية… لا يمكن للمال شراؤها؟”..
للدقة.. نحن محاطون طوال الوقت ببضاعة أخلاقية..
وحتى هذه نمارس معها مبدأ التبادل.. نشتريها أو نبيعها بمقابل “لامادي”.. وبالتالي تتحوّل “مقايضةً” بمجرد وجود فكرة (المقابل).
فعلياً.. هل نقدر على العطاء من دون أي مقابل.. أو من دون استرجاع للعطية بهيئة أخرى..؟
الباحث الفرنسي “جان لوك ماريون” حدّد (العطية) بكونها تتمّ حين نعطي أشياء غير ماديةٍ وغير ملموسة.. بمعنى حين نمنح المعنويات: الاحترام، الاهتمام، الحبّ، والوقت.
كأننا، حينها، نصل إلى أعلى درجات (المنح والعطاء).. نصبح أسخياء مع الآخر كأننا نتعامل مع أنفسنا..
لكن من يلحظ هكذا نوع من بضاعة “معنويات”..؟
أو هكذا نوع من سخاء..؟
والسؤال الأهم: هل يُلحظ السخاء حين يكون من دون مقابل..؟
وهل تتجرّد هذه البضاعة الأخلاقية أو المعنوية من وجود وجهٍ “مادي” لها..؟
بالعودة إلى عنوان “ساندل”، فما لا يستطيع المال شراءَه، هل يشتريه الحبّ.. أو يمكن للأخلاقيات والأشياء المعنوية أن تشتريه.. هل تستطيع تحصيله وامتلاكه..؟
في مسلسل “تشيللو” المأخوذ عن فيلم “عرض غير لائق”، يراهن بطل العمل (تيمور تاج الدين، تيم حسن) أنه حتى الحبّ يمكن شراؤه..
وبقي طوال العمل يسعى وراء حبّ.. محاولاً تحصيله مهما ارتفع سعره.
أحياناً.. لا يهم إن كنت ترغب بشراء تلك المعنويات.. أو تفكر بتحصيلها..
المهم وما يشكل الفرق، هو كيف تملّكتَها.. وما الثمن الذي دفعتَه لقاءها.
في زمننا الحالي، غالباً، أثّرت وسائل التواصل الحديثة، السريعة والآنية من حيث التعاطي، على حدوث حالة كساد في البضاعة الأخلاقية.. وبالتالي لا يتم تقدير الأُعطيات “المعنوية، الأخلاقية” تقديرها اللازم..
وساهمت كذلك بتمكين مفهوم “كل شيء للبيع”.. أي تسليع حتى القيم والمعنويات.. لأنها قادرة على تقديم الصداقات، العلاقات، الحبّ.. أو وهم هذه الأشياء جميعها في واجهات من بلّور.. تعكس صوراً براقة وخادعة في الآن عينه.