رفاه الدروبي
عندما تتجوَّل في معرض التشكيلي بديع جحجاح تشعر بأنَّه ترجم كتاب “قواعد العشق الأربعون” للكاتبة إليف شافاق إلى ٢٠ لوحة وأتبعها بعشر منحوتات، مُطلقاً على معرضه “الدراويش رموز المحبَّة” رسمها بأسلوب شفَّاف، مُستخدماً ألوان الإكريليك .
الفنان جحجاح صاحب المبادرات والمعارض المهمة، حمل رسالة الفن عبر مشروعاته الفنية، عرض أعماله في صالة ألف نون حيث جمع بين الكلمة والعمل الفني سواء أكان نحتاً أم لوحةً في مساحة من كلمة حبق، باعتباره نباتاً عطريَّاً جمع في ثنايا الاسم معاني الحب والحق، فالدرويش حبق ومشروع تفكير، ورؤيا لتصويب بوصلة الوعي الروحيَّة والأخلاقيَّة من خلال الفن في المنطقة، وللإنسان السوري خاصة كونه خاض حرباً مريرةً وضعته أمام اختبار هائل تجاه ذاته.
مخزون تراثي
ولفت الفنان جحجاح لصحيفة الثورة أنَّه قدَّم أعمالاً جديدةً رافقت توقيع كتاب الكاتب اسكندر حبش أطلق عليها “وثائق عرفانيَّة” كانت عبارة عن مجموعة نصوص نبشها من المخزون التراثي تعود إلى ٨٠٠ عام تُمثِّل مجموعة من الأختام وضعها على النصوص باعتبارها من الأدب الصوفي الإنساني، لكنَّ الدرويش أغلق دائرتها حول السلام والمعرفة والخير فعندما تتوفَّر المفاهيم الثلاثة يرتقي الإنسان، أبرزها في ثلاث منحوتات الأولى تحمل القمح ويُمثّل الخير، والثانية تحمل الكتاب كناية عن المعرفة، والثالثة تنشد السلام باعتبارها مواجهة للحرب وللعنف الحاصلين من خلال الوعي.
كما أشار الفنان بديع إلى أنَّ الدرويش كان البطل في المحصِّلة عندما يطوف بعمل مزج فيه بين معرفة تربَّى عليها وتقاطعها بشكل معاصر تحكي عنها استراتيجياً بمعنى أنَّه يصادق على العالم الجمالي في الفن التشكيلي والأدبي أي أنَّنا أمام تحولات يحاولون فيها تدمير الهوية العربية الأخلاقية والاجتماعية لتحكي حكاية جيل جديد بحاجة إلى أن يكون لديه البوصلة للوعي أساسها الجمال وبنيتها الأخلاق، مُبيِّناً بأنَّ إيمانه المُتجدِّد يتجلَّى بتحوّلاته، حيث يتحوَّل الدراويش في لوحاته خلال لحظة إلى شجرة، وقصيدة صوفيَّة، وحكمة، ورمز مستوحى منهم يختزن ضمنه معاني العرفان لله، والجمال، والسلام؛ تلك القيم حاولت آلة الحرب تدميرها.
أبعاد ومعان
ثم تابع بأنَّ للأشجار في أعماله أبعاداً ومعاني، لأنّها تشبه الكلمات ذات المعنى العالي جذورها ثابتة وفروعها في السماء، تمنح خيرها للجميع بلا تفريق، فالإنسان المغلق على أفكاره لا يمكن أن يفتح ممرَّاً للهواء والضوء، مُوضِّحاً أنَّ دراويشه أحياناً يذوبون على سطح اللوحة ليدخلوا منطقة تجريد لها علاقة بالتأمُّل والسكون وضابط بين العقل والقلب وفكر فني شرقي حسَّاس قريب للفؤاد، مُتسائلاً: ما معنى الحداثة إذا كانت لا تُمثِّلنا.. يجب أن تتلاءم معنا حاملةً فكراً معاصراً كدعوة لإعادة فهم الموروث بلغة عالية شفَّافة.
وختم الفنان بديع حديثه بأنَّه حاصلٌ على شهادة التصميم الغرافيكي في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، وجلّ اهتمامه منصبّ على روحانيَّة الشرق، واستلهام حركة الدراويش، طارحاً تساؤلات عن مفهوم الممكن، ومزج الفنون والثقافات، مع المعارض، والمسرح، بهدف نشر السلام والمعرفة والخير في الوقت ذاته يمكن اتباعه وكأنَّنا أمام شمس الدين التبريزي يدعونا لفسحة تجديد مع المحافظة على التراث.