د. مازن سليم خضور
تعد سورية من أقدم مراكز الحضارة في العالم القديم، وفيها الكثير من المعالم ذات الأهمية التاريخية والثقافية والدينية، والتي أُدرج عدد منها في قائمة منظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) “لمواقع التّراث العالمي.
تبادلت قوى العدوان الأدوار في تدمير التاريخ والحضارة السورية وكانت هدفا للأعداء عبر التاريخ ولم يختلف هذا في الحاضر وبالأخص خلال الحرب التي تشن عليها منذ العام (٢٠١١) من التنظيمات الإرهابية بمختلف أسمائها و مسمياتها وكذلك من قبل أنظمة الاحتلال الأميركي و التركي وبكل تأكيد الكيان الإسرائيلي الذي لم يوفر لحظة في سرقة وتشويه التاريخ واستهداف الثقافة والهوية العربية .
وفي الاعتداءات الأخيرة التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية على الأراضي السورية لم يكن سوى ذات النهج من استهداف للمناطق الأثرية حيث أدانت وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية بأشد العبارات القصف الأمريكي الهمجي على قلعة الرحبة الأثرية الواقعة على نهر الفرات في منطقة الميادين بريف دير الزور والتي يعود تاريخ بنائها إلى القرن الميلادي التاسع.
وأوضحت الوزارة أن الاحتلال الأميركي في هذا العدوان السافر يخالف كل الأعراف والمواثيق الدولية الداعية إلى حماية واحترام الممتلكات الثقافية وفق المادة الرابعة من اتفاقية لاهاي عام (١٩٥٤) المتعلقة بذلك.
المشهد لم يختلف مع الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية لاسيما استهداف قلعة دمشق في وقت سابق الذي استنكرته أيضا وزارة الثقافة لما يمثل من اعتداء على جزء من التراث الثقافي العالمي، وعدته جريمة مُكتملة الأركان.
هذا غير عمليات المسح الأثري والتنقيب في الجولان في مسعى منها لتزوير الحقائق التاريخية و نهب الآثار السورية وسرقتها وبيعها.
ذات المشهد كان من قبل الاحتلال التركي في استهداف معبد عين دارة الأثري، حيث تحولت منحوتات حجرية كانت تزين جدرانه الخارجية إلى ركام جراء قصف القوات التركية له كذلك تعرضت المواقع والتلال الأثرية فى الشمال الشرقي لسورية ولا سيما فى منطقتي القامشلي و تل أبيض إلى تدمير كبير جراء العدوان التركى على الأراضى السورية حيث تتوضع مجموعة من أهم التلال الأثرية السورية والتى يعود تاريخها إلى آلاف السنين وجاءت منها أهم الاكتشافات الأثرية خلال العقود الماضية ومنها تلال حلس والفخيرية فى منطقة رأس العين وتل الصد الأبيض التى تعود الى العصر الحجرى الحديث السادس والخامس والرابع قبل الميلاد وتحتوى العديد من الحضارات المتعاقبة.
ولأن التنظيمات الإرهابية لم تكن سوى أدوات وأذرع لتلك الدول الاستعمارية فقد واظبت على ما بدأته تلك الدول من سرقة ونهب وتخريب للتراث و الإرث السوري وما فعله تنظيم داعش الإرهابي في مدينة تدمر الأثرية السورية درة الشرق وأعظم مملكة عرفها العالم القديم لم يكن سوى جريمة بحق الحضارة الإنسانية بشكل عام حتى أن المسرح الأثري في المدينة تم استخدامه بعمليات الإعدام وتصويرها من قبل التنظيمات الإرهابية كذلك الأمر بالنسبة لمدينة حلب وأسواقها القديمة لم تستثن من ذلك الدمار بالإضافة لمئات المواقع الأخرى في كافة المحافظات السورية .
بعد كل هذه الاستهدافات يبقى السؤال أين هي المنظمات الدولية المعنية بحماية هذا الإرث فعلى سبيل المثال تأخذ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) على عاتقها حماية المواقع الأثرية كونها جزءا من التراث العالمي، وهناك مواقع أثرية سورية مدرجة على قائمة التراث العالمي، وهي تحظى بالأولوية فأين هي مما يحصل؟
