الثورة – أسماء الفريح:
قبل ثماني سنوات اهتز العالم لنشر صور تظهر التعذيب الوحشي الذي تعرض له معتقلون (عراقيون في سجن أبو غريب عام 2004 على أيدي القوات الأميركية.. ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تتوالى الصور الوحشية عن الجرائم المروعة التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق المعتقلين الفلسطينيين.
صورة اليوم التي نشرها أحد جنود الاحتلال قبل أن يحذفها، تظهره وهو يقف أمام أحد المعتقلين من غزة الذي تم تقييد يديه وراء ظهره وهو مجرد من ملابسه بعد أن أطلق الرصاص على إحدى قدميه في مشهد يذكر بوحشية التعذيب الذي تعرض له معتقلو أبو غريب.
هذه الصورة ليست الأولى, حيث عمد الاحتلال إلى نشر الكثير من الصور التي تظهر فاشيته خلال اجتياحه البري لغزة ومشاهد مروعة لعمليات اعتقاله المئات وهم عراة، ومحتجزون في ظروف لا تمت للإنسانية بصلة أو نقلهم في آليات عسكرية إلى مناطق مجهولة أو داخل حفر كبيرة رغم البرد القارص.
وقبل أيام قليلة, أكد نادي الأسير الفلسطيني أن الاحتلال أعدم ميدانيا 30 فلسطينيا من بيت لاهيا بعد العثور على جثامينهم داخل إحدى المدارس التي كان يحاصرها، وهم مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين ما يشكل دليلا إضافيا على مستوى الجرائم الوحشية التي تنفّذ بحقّهم.
وكالة وفا نقلت عن مديرة الإعلام والتوثيق في نادي الأسير أماني سراحنة قولها إن ما نشر حول عمليات التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون من القطاع ، هي جزء من سلسلة صور أو مشاهد تمت متابعتها بعد السابع من تشرين الأول الماضي ، والتي تكشف مستوى التوحش والتعذيب الذي يمارسه الاحتلال بحق آلاف المعتقلين الفلسطينيين، وتعكس سياسة ثابتة وممنهجة لدى الاحتلال وقواته الذين يتفاخرون بارتكابهم هذه الفظاعات.
وأضافت أن عمليات التعذيب هذه ليست جديدة ولا ترتبط بالعدوان المتواصل فقط،بل إنها تشكل قاعدة ونهجا لدى الاحتلال في التعامل مع المعتقلين الفلسطينيين على مدار عقود طويلة، إلا أن الفرق الوحيد أنها تضاعفت وأصبحت علنية.
وأشارت إلى أن شهادات المعتقلين الذين أفرج عنهم أو الموجودين لسنوات طويلة في معتقلات الاحتلال تتحدث عن مستوى من التعذيب بعد العدوان على غزة لم يشهدوه من قبل.
وتؤكد هذه الشهادات أن ما يظهر في هذه الصورة، جزء يسير مما يتعرضون له من صنوف التعذيب خلال عملية الاعتقال، التي لا تخلو من إجبارهم على التعري لحظة الاعتقال، والضرب المبرح والاحتجاز في العراء والصعق بالكهرباء والشبح، والحرمان من الطعام والماء والنوم واستخدام دورات المياه ولعدة أيام، والسب والشتم بألفاظ نابية وخادشة للحياء.
الطبيب سعيد معروف ,الذي اعتقله الاحتلال في كانون الأول الماضي أثناء عمله في المستشفى الأهلي العربي في مدينة غزة, تحدث أمام وسائل الإعلام عن معاناته أثناء اعتقاله مبينا أنه بقي مكبل اليدين والقدمين ومعصوب العينين لمدة 45 يوما وهي فترة اعتقاله لدى الاحتلال.ويقول معروف: أجبروني على النوم في أماكن مغطاة بالحصى دون فراش أو غطاء وتعرضت والمعتقلين معي لتعذيب شديد ولا يمكن وصف كل ما مررنا به مشيرا إلى أنه فقد ثلث وزنه تقريبا.
وتتابع سراحنة أن عمليات التنكيل أو الإجراءات التي لا تصنف بشكل مباشر بتعريف التعذيب في القانون الدولي تعتبر أيضا جزءا من أدوات التعذيب بشكل أو بآخر، مثل سياسة التجويع والجرائم الطبية والإهمال الطبي المتعمد بحق المعتقلين.
وتقول إن شهادات المعتقلين تعكس مستوى التوحش لدى الاحتلال في التعامل مع كبار السن والأسيرات والأطفال، إلى جانب جريمة الإخفاء القسري التي يمارسها الاحتلال بحق معتقلي غزة، سواء بحرمانهم من لقاء المحامين أو معرفة أي شيء عن مصيرهم ما يعطي نتيجة واحدة وهي أن الاحتلال يريد أن ينفذ ما يريده من جرائم بحق هؤلاء المعتقلين دون أي رقيب أو حسيب.
وأضافت أنه رغم كل النداءات الموجهة للمؤسسات الدولية بضرورة وقف جريمة الإخفاء القسري بحق معتقلي غزة إلا أن الاحتلال لا يتعاطى مع أي مطلب بهذا الخصوص،حيث يحتجزهم في معتقلات دون أن يعلن عن أعدادهم أو أماكن تواجدهم.
وبينت أن هناك تخوفات من تنفيذ إعدامات ميدانية بحق المعتقلين ، علماً أن الاحتلال اعترف بإعدام أحدهم وهو ماجد زقوت فيما رفض الإفصاح عن شهداء آخرين قام بإعدامهم من المعتقلين.
وأشارت إلى أن المشاهد التي نراها اليوم رأيناها سابقاً في أبو غريب وغوانتانامو، إلا أن ردة فعل العالم والحكومات بالتحديد فيما يتعلق بعمليات التعذيب بحق المعتقلين الفلسطينيين لم تصحبها الضجة التي أعقبت الكشف عما جرى في أبو غريب وغوانتانامو.
وتقول سراحنة إن هدف الاحتلال من نشر هذه الصورة التمهيد لاستساغة موضوع التعذيب بشكل علني أمام العالم، مؤكدة أن الاحتلال اليوم لم يضع سقفا لمستوى الجرائم التي ينفذها بحق الفلسطينيين والمعتقلين، وهو ما ستكون له انعكاسات كبيرة على كل المنظومة الحقوقية الدولية فيما يتعلق بمصير أو ما يجري مع الفلسطينيين، وأيضا فيما
يتعلق بجزء أساسي من قضية المعتقلين التي تشكل إفرازا أساسيا لأي عدوان أو استعمار قائم.
وكانت سلطات الاحتلال أعلنت في كانون الأول الماضي، عن احتجاز 661 من مواطني غزة منهم أسيرات، رغم أنه ووفقا للمؤسسات المختصة ومؤسسات حقوقية دولية فإن التقديرات لأعداد المعتقلين من القطاع تصل إلى الآلاف كما صعد الاحتلال من اعتقالاته في الضفة الغربية بما فيها القدس منذ بدء العدوان، واعتقل أكثر من 6540 فلسطينيا.
وأبلغت مصادر من غزة وكالة وفا بأن قوات الاحتلال اعتقلت اليوم العشرات غرب مدينة غزة واقتادتهم إلى جهات مجهولة بعد وضع الأصفاد في أيديهم وعصب أعينهم مشيرة إلى أن أغلبيتهم من الفئة العمرية بين 15و65 عاما.
ومع مرور 123 يوما على بدء العدوان وجرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في القطاع هل سنشهد تحركا دوليا لوقف الجرائم المروعة بحق المعتقلين أما أن العالم سيواصل سياسة الكيل بمكيالين والتعامي عما يجري في فلسطين المحتلة وخاصة غزة؟.