الثورة – علا محمد:
لم تعد مسألة الانفتاح على الأسواق الخارجية بالنسبة لسوريا خياراً ترفيهياً أو خطوة لاحقة في خطط التنمية، بل تحولت إلى ضرورة اقتصادية تفرضها متغيرات السوق العالمي وتحديات المنافسة، وفي هذا السياق، جاء لقاء صحيفة الثورة مع رئيس هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات، الدكتور فراس غفير، ليكشف عن ملامح خطة شاملة لإعادة رسم المشهد التصديري السوري، بدءاً من تحسين الجودة، مروراً بفتح أسواق جديدة، وصولاً إلى برامج الدعم والترويج التي تسعى إلى تعزيز حضور المنتج السوري عالمياً.
من الاستراتيجية إلى التنفيذية
يشرح الدكتور غفير أن خطة الهيئة لتفعيل الصادرات السورية تتوزع على عدة مستويات مترابطة، فعلى المدى الطويل، هناك البرنامج الدائم لحوافز التصدير الذي يهدف إلى رفع كفاءة المنتج السوري وزيادة تنافسيته في الأسواق الخارجية، أما على المدى القصير، فتعمل الهيئة، بحسب قوله، على برامج دعم موجهة لمنتجات بعينها، مثل برنامج دعم شحن تصدير مادتي البندورة والخيار لعام 2022، وبرنامج دعم الإنتاج الصناعي الموجه للتصدير للمنتج المصدر فقط.
ويضيف: إن المعارض الخارجية تلعب دوراً حاسماً في الترويج للمنتجات السورية، مشيراً إلى أن الهيئة نظمت المشاركة السورية في معارض دولية بارزة مثل معرض “غولفوود” للصناعات الغذائية في دبي، ومعرض صناعة الحلويات في دبي، ومعرض أبو ظبي الغذائي، ومعرض “سعودي فوود شو” بالرياض، إضافة إلى معرض الصين الدولي للاستيراد، كما تسعى للتوسع في معارض أخرى في مصر وتركيا وألمانيا وفرنسا.
ويلفت د. غفير إلى أن العمل لا يتوقف عند الترويج، إذ تقدم الهيئة برامج تدريبية متخصصة للمصدرين السوريين، أبرزها برنامج دبلوم التصدير الاحترافي، الذي يهدف إلى رفع الكفاءة الأكاديمية والعملية للعاملين في هذا المجال، بدءاً من الإنتاج، مروراً بالإجراءات اللوجستية، وانتهاءً بالتسويق الدولي في الأسواق المستهدفة.
رؤية ما بعد العقوبات
ويؤكد رئيس الهيئة أن خطتها تتميز بالمرونة، إذ يجري تقييمها باستمرار، بالتنسيق مع الوزارات والجهات الإنتاجية والتصديرية، سواء الحكومية منها مثل وزارتي الزراعة والصناعة، أو الأهلية مثل غرف التجارة والصناعة والزراعة واتحاد الحرفيين، ويجري، كما يوضح، إشراك هذه الجهات في جميع المراحل، من التخطيط إلى التنفيذ والتقييم.أما على مستوى الأسواق، فيشير غفير إلى أن الصادرات السورية تغطي منتجات متنوعة، وفي مقدمتها الزراعية كالفواكه والخضار التي تصدر تقليدياً إلى دول الجوار، وتعمل الهيئة على برامج دعم موسمية لهذه المنتجات حسب فائض الإنتاج، بالتنسيق مع الجهات المعنية، مثل تسويق الحمضيات.
ويضيف: إن الهيئة، ومع تطلعها إلى ما بعد العقوبات، تستهدف أسواقاً جديدة بالتوازي مع تحسين الجودة، من خلال برامج مثل الاعتمادية للتسويق الداخلي والخارجي للمنتجات الزراعية، كما أن قطاع الألبسة، الذي يعد من أهم القطاعات رغم تراجعه، يشكل مجالاً مهماً لخطط الدعم، إلى جانب الصناعات الكيماوية والدوائية التي تحتاج أيضاً إلى تعزيز قدراتها الإنتاجية والتسويقية.
دور الهيئة المحدد
ويوضح رئيس الهيئة أن دورها يتركز على دعم الإنتاج والتصدير عبر برامج متعددة، بعضها مباشر يشمل مبالغ مالية لتغطية تكاليف التصدير، وبعضها غير مباشر مثل الاستشارات الفنية، تسهيل الإجراءات، النشاطات الترويجية كالمعارض والتسويق الإلكتروني، تحسين الجودة عبر شهادات عالمية وتطوير التغليف، إضافةً إلى توفير المعلومات التجارية عن الأسواق والرسوم الجمركية وخيارات الشحن.
ويشير إلى أن جميع برامج الدعم المالية متوقفة حالياً بانتظار صدور تعليمات جديدة لاستئنافها، لكن خدمات الهيئة الأخرى مستمرة، ويتم الإعلان عنها عبر صفحة الهيئة أو تبليغها للمصدرين من خلال غرف التجارة والصناعة والزراعة.وعن المنتجات المصدرة، يبين د. غفير أن القطاعات الرئيسية تشمل المنتجات النباتية والحيوانية مثل الخضار والفواكه، زيت الزيتون، وأغنام العواس، إضافة إلى الحمضيات.
أما قطاع الألبسة فقد تراجع بسبب المنافسة وظروف الحرب، وكذلك القطاع الكيميائي الذي يضم صادرات الأدوية.ويلفت إلى أن وزارة الاقتصاد والصناعة هي الجهة المسؤولة عن وضع سياسات حماية الإنتاج المحلي، بما في ذلك مكافحة الإغراق أو ترشيد استيراد بعض السلع، بينما يقتصر دور الهيئة على جانب الدعم الفني والترويجي.
نحو انطلاقة أكبر
ويبين رئيس الهيئة أن العمل جارٍ على برامج جديدة لزيادة القيمة المضافة للمنتجات السورية المعدة للتصدير، من خلال ربط الدعم المقدم بمعايير محددة لرفع الجودة وتحسين التنافسية، ويؤكد أن تسريع وتيرة الصادرات يتطلب، وفقاً للتجارب العالمية، تخفيف القيود، وخفض تكاليف الإنتاج والتصدير، وتقديم تسهيلات مصرفية، إضافة إلى الترويج عبر المعارض الدولية.
كما يشير إلى أن دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة يعد عنصراً أساسياً في هذه الاستراتيجية، من خلال تحسين جودة منتجاتها وزيادة قدرتها الإنتاجية، وصولاً إلى دخولها الأسواق الخارجية، وفي هذا الإطار، يلفت إلى برنامج دعم سعر الفائدة، الذي تنفذه الهيئة بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد والصناعة ووزارة المالية والمصارف العاملة في سورية، حيث تتحمل الدولة جزءاً من فوائد القروض الممنوحة لهذه الشركات وفق اتفاق إطاري، ما يوفر دعماً مالياً إضافياً للمستفيدين.
بين الطموح والواقع
وبين ما هو مخطط وما هو ممكن تنفيذه، تبدو هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات أمام تحديات جسيمة وفرص واعدة في الوقت ذاته، ومع وضوح خارطة الطريق، يبقى السؤال: هل ستتمكن سوريا قريباً من استعادة موقعها كمنافس قوي في الأسواق العالمية، أم أن المسار سيحتاج إلى مزيد من الوقت والعمل لتذليل العقبات؟.