“مسارات”.. أكاديمية سورية تعيد تعريف التعليم كحق وكرامة

الثورة – بتول أحمد:

 

في أحد الصفوف الافتراضية على منصة “مايكروسوفت تيمز”، تجلس سعاد، 45 عاماً، تراجع دروس البكالوريا التي حلمت بها يوماً، قبل أن تقطعها سنوات الحرب والنزوح، حولها طلاب في عمر أبنائها، يتشاركون معها شاشة واحدة، وهدفاً واحداً: استعادة الحق في التعليم.

هذه ليست قصة فردية، بل جزء من رحلة جماعية تقودها “مسارات” أكاديمية تعليمية سورية تطوعية، تسعى لإعادة تعريف التعليم كحق، لا كامتياز مؤقت.

من فكرة إلى أكاديمية بلا نهاية

تأسست “مسارات” على يد مجموعة من الخبراء السوريين المنتشرين في الداخل والخارج، ممن آمنوا بأن التعليم ليس رفاهية، بل ضرورة إنسانية، تقول مسؤولة الإدارة المعرفية في المبادرة: الدكتورة آية عوض: “الدافع الوحيد لتأسيس مسارات هو أن التعليم حق للجميع، ويجب أن يصل إلى الجميع، بصيغة نموذجية تهدف إلى المعرفة المتكاملة، لا مجرد تلقين، وتضيف: “مسارات” ليست مشروعاً، بل أكاديمية لها بداية وإلى ما لا نهاية، هدفنا الوصول إلى مليون مستفيد في سوريا خلال خمس سنوات، عبر منهجية الانتشار العنقودي، وتأسيس مراكز تطوعية في مختلف المحافظات.

وأوضحت الدكتورة عوض أن النموذج التعليمي في “مسارات” يقوم على أربعة مسارات رئيسة، تشكّل معاً ما تسميه المبادرة “رحلة المستفيد”: التعليم، المهارات، التمكين، ثم سوق العمل، المسار الأول هو التعليم المدرسي، إذ تُقدَّم مناهج الصف التاسع وحتى الثالث الثانوي، في الفرعين العلمي والأدبي، بإشراف معلمين مختصين.

والمسار الثاني، يعتمد على الأنشطة الطلابية التي تهدف إلى اكتشاف وتنمية المهارات الشخصية والناعمة لدى المستفيدين، أما المسار الثالث، فهو الإرشاد الأكاديمي الذي يساعد الطالب على اكتشاف ميوله المهنية والأكاديمية من دون فرض أو وصاية.. “نحن لا نختار تخصص الطالب، بل نتيح له القرار بناءً على دراسة شخصية يجريها مختصون”، حسب رأيها.

والمسار الرابع والأهم، التدريب المهني الذي يشمل كورسات طويلة الأمد في مجالات العمل الرائجة محلياً ودولياً، مثل التسويق الرقمي، التصميم الغرافيكي، البرمجة، وتكنولوجيا المعلومات.

يجمع بين التفاعل والمرونة

تقول مدير الإدارة المعرفية في تصريحها: إن ما يميز “مسارات” عن غيرها من المبادرات التعليمية هو نموذجها الفريد في تقديم المعرفة، فهي تجمع بين التعليم التفاعلي والتعليم الذاتي، وتوفر بيئة مرنة تتيح للطالب التعلم في أي وقت ومن أي مكان.

وتعتمد الأكاديمية على شراكة مع شركة “مايكروسوفت”، التي منحتها مليون مقعد مجاني على منصتها التعليمية، إضافة إلى قناة يوتيوب تُرفع عليها الدروس المسجلة لتكون متاحة للجميع. “نختار أوقات إعطاء الدروس بناءً على احتياجات المستفيد، وإذا تعذّر عليه الحضور، يمكنه العودة إلى التسجيلات في الوقت الذي يناسبه”- حسب رأيها.

هذا وتستهدف “مسارات” الفئات العمرية من 14 إلى 50 عاماً، مع تركيز خاص على الأيتام، وذوي الاحتياجات الخاصة، والمنقطعين عن التعليم، وسكان المخيمات، وذوي الدخل المحدود، مع العلم أن المبادرة مجانية بالكامل.

وتقدّم لهم جلسات تأسيسية في المناهج التي يرغبون بدراستها، ما ساهم في رفع نسبة النجاح إلى 70 بالمئة هذا العام، بحسب القائمين على المبادرة، فمن بين قصص النجاح التي تفتخر بها الأكاديمية، قصة عبد اللطيف، الذي فقد والده وهو في الرابعة من عمره، وكبر قبل أوانه وسط ظروف النزوح والغربة.

اليوم، يحمل عبد اللطيف شهادة التعليم الأساسي بعلامة تامة، ويقف شاهداً على أن التعليم يمكن أن يكون بوابة للكرامة، أما سعاد، التي انقطعت عن التعليم لعقود، فقد عادت لتقدّم الصف التاسع، ثم البكالوريا، فالجامعة، وهي اليوم معلمة صف، تدرّس ما كانت تحلم بتعلّمه.

تحديات تقنية

وتؤكد الدكتورة عوض أنه لم تكن الطريق مفروشة بالورود، فقد واجهت “مسارات” تحديات تقنية كبيرة، أبرزها ضعف الإنترنت، وانخفاض الوعي الرقمي لدى المستفيدين، مبينة أنه للتغلب على تلك الصعوبات، أنشأت الأكاديمية فريقاً تقنياً متخصصاً لتأهيل المستفيدين على أدوات التعلم، وتيسير دخولهم إلى البيئة الرقمية.

أما عن التمويل، فإن المبادرة تعتمد على مساهمات أفراد سوريين منتشرين حول العالم، ممن آمنوا برسالة المبادرة وساهموا في دعمها.

التعليم بوابة الكرامة

في زمن تتراجع فيه فرص التعليم، وتزداد فيه الفجوات الاجتماعية، تبرز “مسارات” كحالة سورية ملهمة، تعيد الاعتبار للمعرفة، وتمنح الأمل لمن ظنوا أن قطار التعليم قد فات.

وتقول الدكتورة عوض: “التعليم النموذجي لا يعني فقط أن أتعلم، بل أن أكون ناضجاً فكرياً ومهارياً، قادراً على العمل والعيش بكرامة.. “ففي “مسارات”، لا يُقاس العمر بالسنوات، بل بالإرادة.. ولا تُحدَّد الجغرافيا بالحدود، بل بالوصول إلى الشاشة، وفتح نافذة جديدة على المستقبل.

وذكرت: أنه في بلد أنهكته الحرب، وتقطعت فيه سبل التعلم، تخرج “مسارات” من رحم الحاجة، لا لتقدّم دروساً فقط، بل لتعيد بناء الإنسان من الداخل.. هي أكثر من منصة تعليمية؛ إنها مساحة للشفاء، ولإعادة الاعتبار لمن ظنوا أن المعرفة لم تُخلق لهم.

في كل جلسة دراسية، وكل شهادة تُنتزع من بين الركام، تثبت “مسارات” أن التعليم ليس رفاهية، بل فعل مقاومة، وأن الكرامة تبدأ من كتاب، ومن نافذة تُفتح على المستقبل، مهما ضاقت الأبواب.

آخر الأخبار
رسمياً المواس باقٍ مع الشرطة الرئيس الشرع يستقبل البطريرك يازجي .. تأكيد على ترسيخ أواصر المواطنة والتآخي شركات التأمين .. الكفاءة المفقودة  ! سامر العش لـ"الثورة": نحن أمام فرصة تاريخية لتفعيل حقيقي  للقطا... "ممر زنغزور".. وإعادة  رسم الخرائط في القوقاز الإنتاج الزراعي .. مشكلات "بالجملة " تبحث عن حلول  وتدخلات الحكومة خجولة ! أكرم عفيف لـ"الثورة": يحت... قبل خسارة صناعتنا.. كيف نستعيد أسواقنا التصديرية؟ رئيس الوزراء اللبناني يؤكد ضرورة بناء علاقة سوية مع سوريا محاولات تقسيم سوريا.. وهمٌ سيقود أصحابه للانتحار نقيب معلمي سوريا : خطة لتحسين رواتب المعلمين وتوسيع مظلة التأمين الصحي التربية تطلق المبادرة الوطنية "أعيدوا لي مدرستي" وخطط لإعادة البناء من دمشق إلى العالم.. خارطة طريق جديدة لتصدير المنتج السوري "أجندات الانفصال".. بين جهل العابثين وأحلام الطامعين سوريا.. فسيفساء المجتمع وحتمية الدولة الواحدة بصرى الشام وعودة السياحة.. قراءة في دلالات زيارة أولى المجموعات السياحية بعد 13 عاماً غوغل تعيد فتح السوق السورية أمام خدماتها الإعلانية بعد 13 عاماً من الحظر استخدام الأجهزة الذكية للأطفال.. ضرورة خلق توازن بين التعلم والإبداع وصحة الطفل التعافي البيئي للغابات المحترقة..م. محمد الدندشي: اعتماد استراتيجية تشمل الوقاية والكشف المبكر وإعاد... ارتفاع الحرارة وراء ارتفاع أسعار الفروج..مازن مارديني لـ "الثورة": خسائر فادحة في قطعان الفروج هل سيستمر ارتفاع الدولار ؟د. نهاد حيدر لـ"الثورة": سعر الصرف الموازي يتحرك.. و"المركزي" يراقب قمة ألاسكا .. تنصل من حلول الحرب ووضع الكرة في الملعب الأوكراني