لابدّ من العودة للأوراق القديمة، في مثل هذه الظروف الصعبة التي تعتري البلاد، وترخي بأوزارها الثقيلة على المواطن والدولة ولاتستثني أحداً..
الدولة بدأت بإعادة ترتيب الأوراق بطريقة ممنهجة ومدروسة، ويبدو أن ثمة نتائج إيجابية لن تتأخر في الظهور، لجهة الاستثمار الأمثل للأصول الكثيرة، من شركات أو أملاك عامة، والوصول إلى عائدات مجزية تقلل العجوزات التي تربك الخزينة العامة.
لكن ماذا عن إعادة ترتيب أوراق المواطن، وتفعيل أدوات الإنتاج المعطّلة وهي مصدر هام للدخل على المستوى الفردي والأسري، وتالياً على المستوى الاقتصادي العام والاجتماعي أيضاً؟
الأراضي المهجورة بسبب عدم قدرة أصحابها على الاستثمار، باتت ظاهرة مثيرة للقلق، لاسيما في المناطق الجبلية، والمناطق الجبلية تتوضع في أربع أو خمس محافظات، وتحتضن بالأصل أعداداً كبيرة من السكان، شرعوا بالهجرة منها إلى المدينة لانعدام الجدوى من بقائهم فيها، بل للخسائر والتكاليف الكبيرة لبقائهم، لاسيما في فصل الشتاء وصعوبة الحصول على وسائل التدفئة..
الحالة في تزايد مستمر .. ويجب رصدها وبلورة أرقام بشأنها، فعندما يكون لدينا رقم ستتضح تفاصيل المشهد بخطورته الكبيرة..
أراض معطلة..قرى بأكملها خاوية من الثروة الحيوانية..حتى الدجاج، الجميع يتجه نحو المدن هرباً من صعوبة العيش، وهذا خلل اقتصادي واجتماعي ستكون له آثار غير حميدة.
المشكلة تستحق أن نفرد لها حيزاً من الحراك الذي نلمسه اليوم تحت عنوان “إعادة استثمار وإدارة الموارد القائمة”.. وفي أريافنا الجبلية موارد علينا ألا نستهين بها.
أولاً يجب البحث عن طريقة لتمكين الأهالي من استثمار حيازاتهم الزراعية حتى ولو كانت صغيرة، ثم تمكينهم من العودة إلى توطين الثروة الحيوانية بما يتناسب مع الحيازات الزراعية..وهذا يعني أنه لابد من حل لمشكلة تمويل العودة إلى الأرياف، وهذا ليس فقط عبر منح وهبات ومساعدات تشترك فيها الحكومة مع الاتحادات المحلية – لاسيما الفلاحين- مع المنظمات الدولية..مع قطاع الأعمال، بل بقروض مدعومة الفوائد، لشراء العزاقات وأدوات الحراثة، وتأمين السماد للفلاح “يستجر قرضا شخصيا بفائدة عالية لشراء السماد اليوم”، ثم قروض لإعادة توطين الماشية والبدء من الأقل ثمناً “الدجاج” ثم الأغنام والماعز، ثم الأبقار، وفي هذه الأخيرة يجب إعادة توطين السلالات القديمة المتأقلمة مع البيئة، لا المستوردة التي سجلت حالات نفوق كثيرة وتكاليف هائلة لبقائها من أعلاف وعلاج وأدوية.
الموضوع يستحق التفاتة جادة، وإلا سنكون أمام نتائج أكثر تعقيداً لمشكلة هروب الأهالي من الأرياف.
نهى علي