“عاشقة الياسمين” غادة السمان

الثورة – رفاه الدروبي:

ياسمينة يفوح عطرها أينما حلَّت.. شامخة شموخ هامات الرجال.. ذكرياتها عن والدتها أشبه بالرؤيا لدرجة كانت تحسُّ دائماً بارتباط غامض يربط بينهما. صادقت والدها وكانت تهوى مطالعة قصص الساحرات فقرأت مكتبة كامل الكيلاني للأطفال كتاباً إثر آخر، وشرعت تنثر مذكراتها في وقت مُبكر، مُضخِّمةً بعض الحوادث من دون أن تشعر بذلك، كما لجأت إلى الورق لتكتب وإلى الكتاب كي تقرأ، إنَّها الأديبة غادة السمان الدمشقية المولد والأصل، لها صلة قربى بالشاعر الكبير نزار قباني وكانت تُلقَّب بعاشقة الياسمين.
المحاضر خالد شمس الدين أشار في محاضرته عن غادة السمان في ثقافي أبي رمانة إلى أنَّها ناقشت والدها في قضايا الحياة وكان يمنحها كل حقوقها، حصلت على شهادة الأدب الإنكليزي من جامعة دمشق وكانت أصغر أستاذة ومحاضرة فيها لكنَّها عُرفت بجرأتها، فبدأت تكتب القصة بلغة نثرية تبثُّ فيها انفعالاتها المحمودة وآراءها الثائرة بحرية مطلقة، عرفت أنَّ الموهبة ليست كلَّ شيء ولا يمكن أن تبدع إذا لم ترفدها بالثقافة، وتسلل إليها إحساس بالحاجة لخلق شيء جديد وتفجير طاقات لغتها العربية الرائعة، فبرزت حيويتها وقدرتها على تقديم أفكار جديدة بلغة متميِّزة، وكان لسفرها دور كبير في صقل شخصيتها الأدبية من خلال التعرُّف على مناهل الأدب والثقافة، كما ظهر في مجموعتها الثالثة “ليل الغرباء” الصادرة في ستينات القرن الماضي إذ أبدت نضجاً كبيراً في مسيرتها الأدبية وجعلت كبار النقاد آنذاك يعترفون بتميُّزها.
كما لفت إلى أنَّها كتبت القصة بطريقة نثرية جميلة معتمدةً على موهبتها وثقافتها، وقدَّمت أفكاراً جديدة لتغيير وجه المجتمع؛ لكنَّ نكسة حزيران صدمتها فخطَّت مقالها الشهير “أحمل عاري إلى لندن” وتوقَّفت عن الكتابة لفترة من الزمن، وراحت تنشط في مجال الصحافة لقربها من الواقع الاجتماعي، بينما وصل عدد كتبها إلى ٣٠ كتاباً في منتصف سبعينات القرن الماضي: قصةً وروايةً وشعراً، وقفزت بقصصها إلى القمة من خلال أسلوب ابتكار جديد ونسيج متفرِّد يعتمد على تفجير الصورة والتشويق والإثارة اللطيفة، فنقشت ألفاظها بألوان الغروب في جانب وبألوان قوس قزح حيناً آخر، وكانت ملهمة الكاتب غسان كنفاني إذ أظهرت جانبه العاشق وقلبه المرهف ومشاعره الغامضة عن عيون الملايين في ستينات القرن الماضي حيث التقيا في القاهرة وعاشت قصة حبّ متفردة تبادلا بتفاصيلها الرسائل وانتهت بالفراق؛ لكنَّ سماء الأدب جمعتهما.
بدورها الكاتبة إيمان النايف بيَّنت أنَّ غادة عرفت كيف تجذب قرَّاءها إلى عالمها من خلال ما يُسمَّى “الاعتراف بما تكتبه”، أي الكشف عن عيوب الذات، فكان الجزء الأعظم من كتابتها لم تعرفه الثقافة العربية إلا فيما ندر، ووجد القارئ من خلاله صورته في المرآة على حقيقته لا كما يظهر في الواقع، وعرفت بأنَّ قفزة غير موفقة قام بها الإنسان منذ ملحمة جلجامش لا تزال تثقل عليه وتُفسد أحلامه فالخلود ظلمة أمَّا الحياة تعني العيش المباشر، إذ تطلقنا أسئلته مثل غزلان في دائرة لا متناهية، لذا كتبت السمان من أجل أن تهبنا صورة لإنسانيتها الحرة لا من أجل أن تفسِّر ألغاز حياتنا، أو تفرّ بها إلى معنى غامض.. إنَّه الخلود. بالمعنى ذاته تكون كاتبة واقعية ولكن بحدود ضيقة.
بينما غلب النثر عليها، مانحةً صفحةً جديدةً للنثر العربي بعد أن اختفى كبار كتَّابه، وأصدرت كتباً يصعب وضعها في نوع أدبي بعينه، فكانت عناوينها تدلُّ عليها، مثل: “أعلنت عليك الحب”، “زمن الحب الآخر”، “حب”، “عاشقة في محبرة”، “الحبيب الافتراضي”. كلّها تكشف عنها؛ ولكنَّ عالم ما تحت العناوين يشبه إلى حدٍّ كبير عالم ما تحت اللغة، لذا أجادت التعبير عن كلِّ أفكارها، وعرفت كيف تُطوِّع اللغة من أجل الوصول إلى غايتها التعبيرية فكانت كاتبة مزجت بين حياتها الشخصية وموهبتها الأدبية.
كما رأت الكاتبة النايف أنَّ الأديبة السمان كاتبة شاملة لا لأنَّها تحرَّرت من الأنواع الأدبية؛ بل كونها تأبَّطت اللغة مُحتفيةً بأناقة مزاجها، فخُلقت من أجل الكتابة التي صنعت منها عالماً من حرير، ونسجت من اللغة سجادة مُغرية للحواس، ويُمكن لمَنْ يقرأ نصوصها أن يستعين بخياله لا من أجل أن يفهم فقط؛ بل من أجل البقاء مشدوداً إلى عالم ساحر يقع بين الواقع والخيال.

آخر الأخبار
ماذا لو عاد معتذراً ..؟  هيكلة نظامه المالي  مدير البريد ل " الثورة ": آلية مالية لضبط الصناديق    خط ساخن للحالات الصحية أثناء الامتحانات  حريق يلتهم معمل إسفنج بحوش بلاس وجهود الإطفاء مستمرة "الأوروبي" يرحب بتشكيل هيئتَي العدالة الانتقالية والمفقودين في سوريا  إعادة هيكلة لا توقف.. كابلات دمشق تواصل استعداداتها زيوت حماة تستأنف عمليات تشغيل الأقسام الإنتاجية للمرة الأولى.. سوريا في "منتدى التربية العالمية EWF 2025" بدائل للتدفئة باستخدام المخلفات النباتية  45 يوماً وريف القرداحة من دون مياه شرب  المنطقة الصناعية بالقنيطرة  بلا مدير منذ شهور   مركز خدمة الموارد البشرية بالخدمة  تصدير 12 باخرة غنم وماعز ولا تأثير محلياً    9 آلاف طن قمح طرطوس المتوقع   مخالفات نقص وزن في أفران ريف طرطوس  المجتمع الأهلي في إزرع يؤهل غرفة تبريد اللقاح إحصاء المنازل المتضررة في درعا مسير توعوي في اليوم العالمي لضغط الدم هل يعود الخط الحديدي "حلب – غازي عنتاب" ؟  النساء المعيلات: بين عبء الضرورة وصمت المجتمع