تحتل المواقع الإلكترونية التي تعرض مؤلفات الكتّاب، والأدباء على منصاتها دون إذنٍ من أصحاب الحقوق مكانة مثيرة للجدل في العصر الرقمي الحديث، وهي تبيح لنفسها فعل ذلك دون أدنى اعتبار أخلاقي، متجاهلة تمام التجاهل حقاً من حقوق هؤلاء وهو حق الملكية الفكرية..
وهذا يشمل تلك المواقع التي توفر قاعدة بيانات ضخمة من الكتب، والروايات، والقصص القصيرة، والمقالات، وتسمح للمستخدمين بالاحتفاظ بها على أجهزتهم، أو قراءتها من خلال الموقع دون الحاجة إلى شراء النسخ الأصلية لتلك الأعمال، أو الحصول على إذن باستخدامها من قِبل أصحاب الحقوق.
على الرغم من الفوائد التي توفرها هذه المواقع من حيث الوصول السهل، والمجاني إلى المحتوى الثقافي، إلا أنها تتعارض في الوقت نفسه مع حقوق الملكية الفكرية، والحقوق التجارية لأصحاب الأعمال الأدبية.
وحق الملكية الفكرية.. سبق أن أثير الحديث كثيراً عنه، وعن السرقات الأدبية أيضاً، والتي غالباً ما تتبعها الفضائح، وربما السقوط لمن يسرق بعد أن ينكشف أمره، إلا أن نوعاً جديداً من التعدي على الحقوق تلك أصبحت تمارسه مواقع إلكترونية لا حصر لها، ولا يُعرف لها عنواناً إلا بالمصادفة.. ولا مَنْ يحاسب، ولا مَنْ يراقب.
من الواضح أن مثل هذه المواقع التي تنتهك حقوق الملكية الفكرية، وتبيح عمليات نسخ المحتوى، وتوزيعه دون إذن من أصحابها تشكل تجاوزاً صارخاً على حقوق المؤلف، وتهديداً للصناعات الثقافية، والأدبية في تحجيم قيمتها، والتلاعب بالمشروع الإبداعي، والتجاري الذي يقف وراءها.
وفي ظل التكيّف مع التحولات الرقمية ظهر مفهوم جديد تحت مسمى (الاستخدام العادل) الذي يسمح باستخدام جزءٍ من العمل الأدبي بشكل معقول لأغراض التعليق، أو الدراسة، أو البحث، إلا أن هذا الاستخدام العادل يخضع أيضاً لقوانين محددة ليكون في حدود معقولة بحيث لا تضر بسوق العمل الأدبي، أو تنتهك حقوق المؤلف.
ومما زاد الطين بلةً مؤخراً برامج الذكاء الصناعي التي تفوقت، والتي انتشرت بسرعة، وذاع صيتها على أنها المنقذ المبدع وهي تبتدع توليفةً مما زُودت به خوارزمياتها من تلك الأعمال الفكرية، أو الأدبية، أو حتى العلمية لتقدمها لمن يطلبها ضمن نطاق المساعدة الرخيصة التي لا ثمن لها، وتلبية الرغبات في الحصول على الإجابات من دون جهد، أو عناء.
عند هذا الحد من التطور الرقمي المتصاعد تبرز بالتالي مشكلة أخلاقية جديدة تتعلق بسرقة العقول، والإبداع الذي يلتصق عادة بصاحبه، وكأنها بهذه الخطوة تجرده مما لديه من إمكانات متفوقة بانتهاكه الحقوق القانونية. والإنسان المعاصر المستلب بسطوة التكنولوجيا أصبح لا يحسب خطواته وإلى أين تسير به، فيعتمد على ما توفره التقنيات أكثر فأكثر مما يعتمد على قدراته الذهنية الحقيقية، وإمكاناته الفكرية، والثقافية التي يحصلها على مدار سنوات عمره.
وها هو الذكاء الصناعي بات يبرع في توليد النصوص من أخرى إبداعية سبقتها بعد أن تم تخزينها في خوارزمياته كنماذج لغوية من أعمال أدبية وفكرية نالت قسطاً وافراً من الشهرة والانتشار لتتم الاستفادة منها في الصياغة والأسلوب.. لنجد أنفسنا نختصر الفكر المبدع ببضع سطور يزودنا به هذا الذكاء وقد وقعنا في قبضة لصوصٍ رقمية يسرقون دون خوف ليقدموا لنا أفضل ما يمكن أن يُقدم.. فمن السارق يا ترى؟ نحن أم هم؟ وهل يمكننا الحفاظ بالتالي على صناعة الأدب، والتشجيع على الإبداع، والتفاعل الثقافي السليم في العصر الرقمي بعد كل ذلك؟
إلا أن نظام اللصوصية الجديد هذا لن يكون على قدر من السوء الذي يظهر به إذا ما استطاع أن يساعد الخيال الإبداعي لأن يقفز إلى مسافة أبعد، أو أنه على المبدعين ربما أن يقروا بنظرية موت المؤلف بعد أن ترى أعمالهم النور إذا ما كانت لوائح القوانين لا تستطيع أن تحمي من سرقة العقول، والأفكار، والكلمات.. نقول: ربما.