بين موزونه ونثره ..

الملحق الثقافي- حسين صقر:
للشعر قديمه وحديثه رونقه وجماله، ففي الماضي حكى قصص الملاحم والبطولات ومغامرات العشاق، وعبر عن حال وأحوال هؤلاء، وكان لغة صرفة يفهمها المهتمون والناظمون لأبياته وصوره وكلماته وبحوره.
وفي الحاضر اتخذ ذات الرسالة، ولاسيما ما كان مقفى منه، في وقت ظهر فيه الشعر الحديث أو العمودي، والذي بدا كفن تجريدي يعبر عن حال الشاعر نفسه، ولهذا لم يحفظ كثيراً، وإذا لم نغال، لا نرى من يرددونه، سوى أصحابه في أمسياتهم ولقاءاتهم يظهر كلوحة جميلة فجأة، ويختفي برمشة عين، أي بمجرد أن طوى الشاعر صفحات القصيدة.
ولهذا أيضاً يردد الكثير ويحفظ من أشعار وقصائد الشعر الجاهلي والمهجر والعباسي والأموي وجزء كبير من العصر الحديث دون ذكر أسماء هؤلاء المبدعين، حتى ظهر شعراء قصيدة النثر والتي كانت أشبه بمقالة أو خاطرة لا تحفظ ولا تغنّى ولا يعرف لها بداية أو نهاية.
ليس هجوماً أو نقداً لاذعاً لمريدي هذا النوع من الشعر، وأنا قد أكون أحد من كاتبيه أو هواته، لكن الحق يقال: وفي أحد الكاريكاتورات في معرض فني، أوجز الرسام في إحدى لوحاته عندما رسم صورة لشاعرين أحدهما ينظم الشعر المقفى والثاني لقصائد النثر، فالأول ما زال على مكتبه ورقة واحدة، فيما الثاني ملأ كل ما حوله بتلك القصائد، والدليل على ذلك لم أسمع أن شخصاً واحداً يردد أو يحفظ قصيدة نثربة واحدة، ما خلا بعض القصائد لشعراء كبار مزجوا القافية بالنثر واستحوذت أشعارهم على الفكر والوجدان.
فالشكل الثابت للشعر العربي القديم شكل بنائي ثابت، بينما العربي الجديد، يتجه نحو الشكل المتحرك، وقد يصبح لكل قصيدة جديدة شكلها الخاص دون أن يتحدد بوزن، كما أن الشاعر العربي القديم وجد الكمال الكلي في الماضي، وكان التقدم بالنسبه له هو التشبه بالماضي، فيما الشاعر العربي الجديد يرفض الزمن المغلق، ويتبنى زمن التغير كي لا يؤطر نفسه بما سمي قماقم الشعر، حيث كان ومازال للشعر الجديد معنيان، زمني، وهو آخر ما استحدث، وفني أي لا يماثله ما قبله، ولكن ليس كل حديث جديد، لأن معيار الجديد يكمن في الإبداع والتجاوز عن الماضي واحتضان المستقبل.
قد يقول قائل: إن المجتمعات ذات الثقافة الحية تطلب من الشاعر أن يكون له صوته الخاص، وأن يكون فريداً وأصيلاً،
لأنها تريد أن تكون الكتابة صناعة يعرفها الجميع ويفهمها الجميع، في الوقت الذي يكتب فيه شاعر حديث قصيدة يحول العالم من خلالها إلى شعر، يخرج عن مجموعة المفاهيم والآراء التي لم تكن من تراثنا وشخصيتنا من قبل، وهنا يشكل تراثاً جديداً يدخل في ثقافته فقط، حيث للقصيدة المغلقة التي ينظمها معنى خاصاً، ومن وجهة نظره فالشعر الجديد تجاوز حدود النوعية القديمة، وصار عالماً فسيحاً من الأوضاع والحالات الروحية والتعبيرية.
مدافع عن هذا النوع من الشعر يقول: ليس هناك وجود قائم بذاته نسميه الشعر، ونستمد منه المقاييس والقيم الشعرية الثابتة المطلقة، وليس هناك بالتالي خصائص أو قواعد تحدد الشعر ماهيةً وشكلاً وتحديداً ثابتاً، ولهذا نطلب منه أن يردد لنا وقصيدة نثرية واحدة.
بالطبع لن يستطيع أن يقول: لولا الحياء لهاجني استعبار ولزرت قبرك والحبيب يزار.
وسوف ينسى ما قيل في قصيدة: «على أجنحة الليل أرسلت كلماتي..لتطرق نوافذ حنينك وتقول لك: ها أنا قادم مع سفر الأيام وقطار الوقت» ..
نقول: فالقصيدة شكل إيقاعي واحد أو أكثر، ضمن بناء واحد، يجعل من لقصيدة الشعر القديم أثراً شعرياً، يتوفر فيها البعد أو الرؤيا، والكلام الموزون والمقفى.
معتدلون يقولون: من الطبيعي أن لا تكون هناك قاعدة صالحة للأبد، لذلك ليس امتياز الشعر في أنه يخضع لقاعدة ثابتة، شأنه شان العلم، وامتيازه أن يسبق القاعدة، والخليل بن أحمد الفراهيدي لم يضع تلك الأوزان لتكون قاعدة للمستقبل، وإنما وضعها لكي يؤرخ بها للإيقاعات الشعرية المعروفة، والإيقاع كالإنسان يتجدد، وليس هناك أي مانع شعري أو تراثي من أن تنشأ أوزان وإيقاعات جديدة، ثم إن الوزن الخليلي لا يؤلف الشعر العربي كله، وإنما يؤلف جزءاً منه.
ومن وجهة نظرهم بقدر ما يغوص الشاعر في أعماق العالم ليخلق أبعاداً إنسانية وفنية جديدة، والشاعر يطمح إلى أن يكون وأن يبقى ثورة دائمة ضد التقليد والثبات والممكنات كائنة في المستقبل، ومن هنا يعيش الشاعر ويكتب مأخوذاً بالمستقبل.
وفي قصة معروفة عن أن الشعر القديم كان لغة يفهمها الجميع، مرت فتاة جميلة بشاب فتن بها، فقال: رحم الله علي ابن الجهم، فقالت: رحم الله المعري، وإذا برجل في المكان أدهشه ما قالاه، ودفعه الفضول لأن يسأل عن قصدهما، فقال الشاب: أما أنا قلت عن ابن الجهم لاتغزل بها، حين قال عيون المها بين الرصافة والجسر ..جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري..أما هي فقصدت بالقول رحم الله المعري وأرادت تحذيري وتنبيهي وربما تهديدي: فيادارها بالخيف إن مزارها قريب..ولكن دون ذلك أهوال..فأعجب الرجل بسرعة بديهة الشابين وحفظهما الشعر ومقاصده.
وبهذا فالشعر لن يكون واضحاً مفهوماً يؤدي رسائله ويحكي القصص والمواعظ والحكم
                            

العدد 1180 – 5 -3 -2024      

آخر الأخبار
المغتربون السوريون يسجلون نجاحات في ألمانيا   تامر غزال.. أول سوري يترشح لبرلمان آوغسبورغ لاند محاور لإصلاح التعليم الطبي السوري محافظ حلب يبحث مع وفد ألماني دعم مشاريع التعافي المبكر والتنمية ابن مدينة حلب مرشحاً عن حزب الخضر الألماني خاص لـ "الثورة": السوري تامر غزال يكتب التاريخ في بافاريا.. "أنا الحلبي وابنكم في المغترب" سوريا تفتح نوافذ التعاون العربي عبر "معرض النسيج الدولي 2026"  رفع العقوبات إنجاز دبلوماسي يعيد لسوريا مكانتها ودورها الإقليمي دعماً للإعمار.. نقابة المهندسين تؤجل زيادة تكاليف البناء من التهميش إلى التأثير.. الدبلوماسية السورية تنتصر  متبرع يقدم جهازي "حاقن آلي" وتنفس اصطناعي لمستشفى الصنمين بدرعا  حملة شاملة لترحيل القمامة من مكب "عين العصافير"  بحلب بين دعم واشنطن وامتناع بكين.. الرحلة الاستراتيجية لسوريا بعد القرار "2799" ما بعد القرار "2799".. كيف قلب "مجلس الأمن" صفحة علاقة العالم مع سوريا؟  خبير اقتصادي ينبه من تداعيات التّحول إلى "الريعية"  قرار مجلس الأمن وفتح أبواب "البيت الأبيض".. تحول استراتيجي في الدبلوماسية السورية  كيف حول الرئيس الشرع رؤية واشنطن من فرض العقوبات إلى المطالبة برفعها؟ ٥ آلاف ميغا واط كهرباء تعزز الإنتاج وتحفز النمو  المعرض الدولي لقطع غيار السيارات.. رسالة نحو المنافسة باستخدام أحدث التقنيات   "صحة وضحكة" .. مبادرة توعوية لتعزيز النظافة الشخصية عند الأطفال من رماد الصراع إلى أفق المناخ.. فلسفة العودة السورية للمحافل الدولية