أي عملية نقد سواء في المجال الرياضي أم غيره هي عملية مشروعة، هذا قانون متفق عليه منذ تطورت البشرية بعد مونتسكيو وجان جاك روسو والآخرين ممن صنعوا مفهوم النقد البنّاء، أي أنني أنتقدك ليس لأني أكرهك بل لأني أحبك وأريد منك أن تتلافى عيوباً لديك، وبالتالي نتطور أنا وأنت نحو الأفضل، لأني بالمقابل سأتلقى انتقاداً بنّاء منك وأتلافى أخطائي.
كم يبدو هذا الكلام جميلاً لو طبقناه على الوسط الرياضي عندنا ورافقته الروح الرياضية المطلوبة!! ولكننا دائماً لا ننظر إلى الصخرة، كما يقول المثل الفرنسي، بل نريد أن نرى الثعبان المختبئ وراءها سواء أكان موجوداً أم لا، حتى في نقدنا نحن مسكونون بالبحث الدائم عن الثعبان الذي يختبئ وراء صخور التفاصيل، فلا يمكننا التطرق لأي جانب إيجابي إلا بإسناده إلى صفقات مشبوهة وفساد ومجاملة قد تصل إلى مستوى المحاباة العرقية حتى ولو استبدل الله أقواماً بأقوام آخرين ووضعنا في أميركا فسنستخدم النقد لنقول: إن الحكم من ذوي البشرة السمراء لذلك فقد جامل وحابى اللاعب الأسمر!! نعم هذه ثقافتنا النقدية ولا داعي لإنكارها.
نحن نكره عندما ننتقد بعضنا ضمن مشهدنا الرياضي ولا نحب، نتلقف الأخطاء الموجودة على الصخرة، وإذا لم تكن موجودة فهيا إلى ما وراء الصخرة.
النقد البنّاء هو المستند إلى المعرفة والتحليل الدقيق للوضع الرياضي والذي يسهم في تطوير وتحسين العمل والفكر والأداء ويعزز الإبداع والابتكار عن طريق تحفيز الأفراد والجماعات على تجاوز الحدود وتقديم أفكار جديدة ومبتكرة من خارج الصندوق، وليس هو ما يحتويه صندوقنا من سيف ذي حدين كلاهما مؤذٍ للأسف، فنحن حين ننتقد إما أن (نطبل ونزمّر) كشاعر بيده ربابة وإما (نطالع المناجيد) من داخل غرف نوم الآخرين كما تقول أمثالنا التي تدل علينا فنحن من ابتكرناها.
كلا النوعين ليس صحيحاً، وليس مطلوباً منك أن تعشق حين تنتقد الرياضة أو غيرها كي لا نبالغ، بل المطلوب أن تنظر إلى الآخر كنفسك، حيث صار المشهد الرياضي متحركاً بما يكفي لذلك، فهذا اللاعب عندي اليوم وغداً عند خصمي ومثله المدرب ولا شيء ثابتاً إلا الكيانات الرياضية التي تتطور بالتبادل، ويرتقي كل المشهد على بعضه، فأين هذه النطرة بعيدة المدى منا؟ هذا إذا تكلمنا عن النقد على مستوى تراشقه بين كيان رياضي وآخر، وبين أفراد في الوسط الرياضي وآخرين مثلهم، لكننا لو تطرقنا إلى المسؤول الرياضي وكيفية تعامله مع النقد وتقبله له فسنرى النقد كالمطر الغزير حوالينا ولا علينا!!
