الملحق الثقافي- محمد خالد الخضر:
والشعر الحديث يقصد به كل شعر عربي كتب بعد النهضة العربية.. وهو يختلف عن الشعر القديم في أساليبه وفي مضامينه، وفي بنياته الفنية، والموسيقية، وفي أغراضه وموضوعاته وفي أنواعه المستجدة والمختلفة.
والحداثة هي التي تصل إلى إضافة المستوى الفني الذي يكون ارتباطاً بين المتلقي المعاصر والنص المكتوب دون أي خلل في المستوى الفني إذا لم يتمكن الشاعر من تطوير الأسس التي جاء بها لكتابة نصه الشعري .. وكان من الأفضل أن نسمي هذه الظاهرة .. ظاهرة تطور .. والتطور يقدم نمطاً شعرياً أكثر صعوبة في التركيب والبناء وأكثر فهماً للمتلقي وقربًا منه
إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ
فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ
سَلي إِن جَهِلتِ الناسَ عَنّا وَعَنهُمُ
فَلَيسَ سَواءً عالِمٌ وَجَهولُ
فإذا تجاهلنا اسم مؤلف القصيدة وهو السموءل الذي دخل التاريخ من أبوابه وأطلعنا على قصيدته هذه، ألم نجد أنه قادر على الاستمرار ولا يحتاج إلى أي تخريب في منظومته الشعرية أو الشعورية التي تتأقلم مع الإنسان وعواطفه وقيمه الأخلاقية مهما كانت ظروف الزمن الذي يعيشه .. لأن ما يميز الإنسان هو صفته العقلية والإنسانية والأخلاقية.
ولعل ما ذهب إليه الشاعر خليل مردم بك في حديثة عن الثورة الثورية وميسلون :
مصيبة ميسلون وإن أمضت … أخف وقيعة مما تلاها
فما من بقعة بدمشق إلا … تمثل ميسلون وما دهاها
فسل عما تصبب من دماء … تخبرك الحقيقة غوطتاها
في هذه القصيدة وسائر نصوصه لسنا مضطرين لتحويلها إلى جديد لا موسيقا فيه ولا عاطفة وندعي أننا نستبدله برموز أو كلمات من شمال ويمين لنخفي ضعفنا حيال الكتابة.
ومن هنا علينا أن نمضي في الحداثة التي سبق وذكرت أن نسميها تطورًا إلى مغايرة في القوة لأننا نجد أن نزار قباني عندما نجح بهذا التحديث اعتمد على نفس الماضي فأخذ تفعيلات من البحور واعتمد عليها كما هو الحال في قصيدته لتمتقع رسالة من تحت الماء وأطفال الحجارة كلها كتبت على تفعيلات من الماضي .. كذلك قصيدة سجل أنا عربي لمحمود درويش.
أما الحالة التي يدعي كتابها أن هذا النمط الشعري لا يستوعب الحاضر فهي مغلوطة لأن أغلب من يحلم بالوصول إلى المنابر أو الوصول إلى فوائد أخرى يعبث بالمعنى وبالتخريب والموسيقا مدعياً بجديد أتاه فلم يبق أثر لحضور على المنابر لأن القاعدة الشعبية فقدت ما يؤثر بها وبوجدانها وعاطفتها.
وكثر هؤلاء وكان في خدمتهم قلة معرفة بعض القائمين على المنابر وتورط بعض قراء الجهات الرسمية في التخاذل المتعدد الأسباب في الموافقات على نشر بعض الكتب التي لا علاقة لها بشيء ثقافي.
وحين يعرف صاحب كتاب أن فلاناً أجاز في الأمر فالمفروض أن يحرم الاثنان كل الحقوق الثقافية مع إحالة إلى القضاء لأن العقوبة خطيرة للإثنين ومعهما أي إعلامي يتورط بالكتابة عن ذلك ويلوث الجهة التي وثقت به.
فالتطور هو حماية العاطفة والقيم والإحساس وخدمة المجتمع بما يرفع مستواه وبشعر ينتمي إلى الشعور حصراً.
العدد 1181 – 12 -3 -2024