كلنا يذكر ذلك الرجل الطاعن في السن وقد تجاوز التسعين من العمر وكان يغرس غرساً في الأرض، ولما سأله أحدهم لمن تزرع هذه الغرسة وقد بلغت ما بلغت من العمر، فقال: غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون، فهذا الرجل لم يلتفت إلى عمره كم بلغ بل هو يتابع مسيرة الحياة ويعلمنا بأن لا تقاعس ولا ركون فحياة الإنسان تقاس بما ينتج ويعمل مهما كان عمره.
فمن منا، ومع مرور الزمن، إلا وسيأتي عليه يوم ويصل لعمر الستين، ويتقاعد إن كان موظفاً، لكن المشكلة أن بعض الأشخاص الذين يتقاعدون من وظيفتهم يشعرون وكأن الحياة قد انتهت دون أن يدركوا أن الإنسان يستطيع أن يبدأ عملاً آخر وهو في هذه السن وأن يملأ حياته بالنشاط والفعل المؤثر في مساره ومسار أسرته وحتى مجتمعه.
هؤلاء الذين يعتقدون أن حياتهم قد شارفت على الانتهاء تسيطر عليهم السلبية، ويشعرون وكأنهم في عالم آخر، ويصيبهم اليأس والإحباط ويشعرون ضمنياً بأن دورهم في الحياة قد اضمحلت، لكن الحقيقة التي لابد من الوقوف عندها هي أن وصول الإنسان لهذا العمر وهو بكامل صحته ونشاطه وقوته ولا يعاني من أي مرض هو الثروة الحقيقية في الحياة.
ولينظر المتقاعدون لبعض الناس والذين هم في ريعان الشباب أو حتى إن كانوا أطفالاً وكيف أنهم يعانون على الصحة ويئنون ألماً ولا يتنعمون بالنعم التي ينعمون هم بها، والأمر الآخر الذي لابد من ذكره هو المطلوب من أحدنا أن الحياة بحاجة لكل الناس مهما بلغوا من العمر ما بلغوا، فيواصلون أي عمل يحبونه، ويشعرون بأن هذا العمل هو عشقهم ومرادهم.
فسن التقاعد لا يعني أن نشعر بالأسى والحزن، بل حياة جديدة يمكن أن تكون أفضل من التي سبقتها، وخاصة لمن يمتلك كل وسائل الراحة كالبيت والسيارة والأولاد والأحفاد، فالعمر ما هو إلا رقم وعدد وتأكيد ما نقول أحياناً نشاهد شاباً عاطلاً عن العمل وليس بيده حرفة ويعيش عالة على أهله ونلحظ بأن الهم قد سيطر عليه وهد عزيمته وإذا نظرت إليه تشعر بأن عمره قد تجاوز الخمسين أو الستين من الهموم، وبالمقابل نشاهد أشخاصاً تجاوزوا الستين من العمر ولكن نرى همتهم عالية ويواصلون الليل بالنهار لكسب المزيد مالاً وإنتاجاً.
والمتقاعد يمكن له الاهتمام بصحته أكثر من خلال الوقت المتوفر له، وكذلك ممارسة الرياضة اليومية، وألا ينظر إلى الخلف إلا لشيء واحد وهو الاستفادة من الأخطاء إن حصلت في مسيرة حياته، وأن يأخذ منها العبرة والدروس، وعلينا أخيراً أن نعلم بأن عمر الإنسان لا يقاس بعدد السنوات التي عاشها بل بما أنجز وأنتج وكم هو متفاعل ومتعاون مع الناس وهو هو منسجم معهم في عملية البناء والتطوير ومد جسور المحبة معهم، وختام القول العمر هو رقم ليس إلا فلنجعل، هذا الرقم فاعلاً ومنتجاً في حياة تستحق أن نفعل الكثير من أجلها.
جمال الشيخ بكري