الثورة – كلوديا حسن:
لن يمر اسم رشا شربتجي هكذا مرور الكرام عندما تضع توقيعها على أي عمل درامي يبصر النور بعد جهد هذه المخرجة المخضرمة التي تحمل في رصيدها أهم الأعمال السورية الدرامية.
وفي هذا الموسم نجد العمل الاجتماعي “أولاد بديعة” يحمل في طياته الإبداع البصري والحسي المتكامل عبر الصورة المبهرة التي تحمل المشاهد في كل مشهد إلى صورة تحمل الطابع السينمائي العالمي وتحديداً تلك المشاهد التي تجمع “أولاد بديعة” على أسطح القطارات القديمة وتختصر حكاية ثلاثة أطفال كبروا على أسطح هذه القطارات وهم في صراع البحث عن هويتهم الحقيقية فهم أبناء بديعة المتسولة والمختلة عقليا أو بمعنى أدق (عالبركة) التي أتقنت دورها بحرفية نجوم الصف الأول إمارات رزق والتي لم تحتج إلى أكثر من عبارة واحدة ترددها طوال مشاهدها في المسلسل وهي “ياكريم”.
“أولاد بديعة” العمل الذي أبدع أبطاله باختراق قلوب المشاهدين في العالم العربي يوثق عدة ظواهر اجتماعية في مثل البيئة الاجتماعية التي يوثقها العمل وتنطبق بحيثياتها على عدة مجتمعات مهما اختلفت المستويات الاجتماعية، فنجد المعلم عارف الدباغ الذي قام بدوره النجم فادي صبيح الذي صعد على أكتاف زوجته ابنة الحسب والنسب ديمة الجندي (أم مختار) وتولدت لديه عقدة من أنها انتشلته من فقره فقام باستغلال بديعة المتسولة جسدياً وأنجب منها طفلين يقوم بدورهما النجم سامر اسماعيل (شاهين) والنجم المبدع كتابة وتمثيلاً يامن الحجلي الذي يقوم بدور ياسين الابن الثاني لبديعة من المعلم عارف.
ولا ننسى الرائعة سلافة معمار التي تجسد حالة الأطفال الذين يأتون على هذه الحياة ليعيشوا فيها بلا هوية نتيجة للجرم الاجتماعي الذي يرتكبونه أهاليهم برميهم إما في حاويات القمامة أو حتى على أبواب الجوامع للتخلص منهم فتصبح حياتهم عبارة عن نقمة اجتماعية على واقع لا يد لهم به.
ومختار الذي يقوم بدوره النجم محمود نصر والذي يجسد حالة الولد الوحيد الذي حظي بدلال والدته حتى تولدت لديه عقدة من مصطلح (دلوع الماما) وتحديداً بعد صدمته بأنه لديه إخوة من والده عارف وهم أولاد بديعة محور المسلسل الذي سحر قلوب المشاهدين في ملحمة درامية سورية تشويقية اشتقنا لها بعيداً عن الدراما المشتركة التي أوقعتنا في فخ الصورة البصرية والإبهار بعيداً عن المحتوى.
كم من بديعة في الحياة تم استغلالها وماتت بصمت الوجع والظلم دون أن تستطيع أن تدافع عن نفسها، وكم من عارف نراه في حياتنا يعيش على استغلال من حوله ويندم بعد فوات الأوان، وكم من إخوة فرقتهم الظروف المادية وجمعهم الطمع والنقمة على الظروف والحياة .. “أولاد بديعة” أبدعتم.