الملحق الثقافي- هنادة الحصري:
مما لاشك فيه أن هناك مفاهيم كثيرة راكمت كثيراً من الزمن وأصبحت في صلب العقل الجمعي السوري :فتم تبادلها من دون التدقيق في معناها وشكلت ثقافة مجتمع أو بمعنى آخر سلوكاً جمعياً …
من هذه المفاهيم طرح مفهوم الثقافة بمنحى مختلف عن حقيقة الثقافة كنظرية ومفهوم ،فالأكثرية تفهم أن العلم هوالثقافة فالحاصل على الدرجات العلمية هو مثقف بامتياز وهذا خطأ في حد ذاته ،فليس بالضرورة كلّ متعلم أن يكون مثقفاً فهناك أفراد يحملون شهادات علمية عالية لكن ليس لديهم أي ثقافة ،أنا هنا لا أعمم فهناك من يحمل شهادات عالية ويمتلك ثقافة عالية .
إن هذا المفهوم المتباين عن الثقافة يوضح العقل الجمعي القاتل بأن العلم هو المعرفة التقنية ولكن في الحقيقة المعرفة هي جزء من الثقافة ،أما الثقافة فهي حتماً سلوك أكثرمنها معرفة وهي تنوع مشترك معرفي وخبرة نتيجة اطلاع مستمرعلى كلّ مناحي الحياة ،وبهذا الاطلاع تتشكل لدينا مجموعة أفكار ولهذا يقال بأن الثقافة هي الكلّ المركب الذي يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات .
وإذا عدنا إلى تعريف الثقافة في العربية فنرى أنها تعني صقل النفس والمنطق والفطانة ،وفي القاموس : وثقف نفسه أي صار حاذقاً فطناً وثقفه تثقيفاً أي سواه ،وثقف الرمح يعني سواه وقومه ولطالما استعملت الثقافة في عصرنا الحديث للدلالة على الرقي الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات فالثقافة لا تعد مجموعة من الأفكار فحسب ،ولكنّها نظرية في السلوك ممايساعد على رسم طريق الحياة إجمالاً.
ومما تتمثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعب من الشعوب وهي الوجوه المميزة لمقومات الأمة التي تتميز بها عن غيرها من الجماعات بما تقوم به من العقائد والقيم واللغة والمبادئ والسلوك والمقدسات والقوانين والتجارب ،واجمالاً فان الثقافة هي كلّ مركب يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات .
يقول حسنين هيكل في تعريفه للمثقف : «ان المثقف هو الانسان الذي يستطيع أن يكون لنفسه رؤية وموقف من الإنسان بالدرجة الأولى ومن المجتمع بالدرجة الثانية، ومن الطبيعة والكون بالدرجة الثالثة وأنه يستطيع أن يعبّرعن هذه الرؤية وهذا الموقف برموز الكلمات والألوان والأصوات».
إن المثقف كفرد فاعل في المجتمع دوره أن يوظف القوة في سبيل الإنسان وليس لتدميره ، ويجعل من التسامح وقبول الآخر ثقافة يومية يمارسها كمنهج سلوكي ،فالإنسان المثقف حتماً سيكون متحضراً لا يتأثر بأي فكر تكفيري ….
في مقالة نشرت في صحيفة نيويورك تايمز يقول كاتبها :(الأمر لم يعد يتعلق بما تقرأ وبما تعرف ،ولا بمقدار قدرتك على فهم ماتقرأه وتستهلكه من مواد ثقافية ،بل يتعلق الأمر بأن تجد لنفسك مكاناً في فضاءات الضجيج الثقافي .. فلم يعد ضرورياً الآن حمل كلّ تلك الكتب الضخمة يمكنك الآن أن تكون عضواً فاعلاً في النخبة الثقافية دون أن تضطر لقراءة شكسبير أو دوستويفسكي أو نيتشه ويمكنك أن تناقش وتجادل في كل شيء يستطيع حاسبك أن يلتقطه.
العدد 1182 – 19 -3 -2024