الملحق الثقافي- عبد الكريم العفيدلي:
لا يختلف اثنان على أن الإبداع الحقيقي يولد من رحم المعاناة، فالمعاناة تصنع دفاتر الإبداع والمبدع الحقيقي يسلتهم أفكاره من واقعه المعاش من خلال ملامسته لوجع الناس وقضاياهم ومشاكلهم ولأن وظيفته تنويرية عليه أن يسهم في زيادة الوعي والتنبيه لما يتعرض له الوطن من خطر محدق ستنعكس نتائجه على الجميع بدون استثناء ..فتغليب المصلحة العامة يصبح أمراً ضرورياً بالحروب والكوارث ولا يكتفى بالتشخيص دون وضع العلاج.
هذه المهمة لا يتقدم لها إلا من كان مفعماً بالانتماء لهذا الوطن بعيداً كل البعد عن الحزبية ولايقف في منطقة رمادية ينظر للمشهد متحيناً الفرص فالرمادية في قضية الوطن لاتنفع وهي أصلاً لا تنفع في أي قضية كانت.
ومهما اختلف المبدعون في توجهاتهم الفكرية، لايحق لأحدهم أن يختلف مع الآخر في القضية الوطنية فالكل تحت سماء الوطن والوطن لكل من ينتمي إليه.
ليس بالضرورة أن تحمل بندقية كي تثبت أنك تحب وطنك وتدافع عنه فالدفاع عن الوطن يأخذ أشكالاً عدة أدناها حمل البندقية وأعلاها تسخير الفكر في خدمة المعركة.
وعندما أقول الفكر لأن قوى الظلام وداعميها مهما فعلوا من إجرام لن تستطيع مواجهة الفكر المتنور ومن هنا تكمن أهمية أن يأخذ كل مبدع في هذا الوطن دوره كان شاعراً أو صحافياً أو رساماً أو ممثلاً ….
فالحرب التي شنها الظلاميون على وطننا هي حرب فكرية استهدفت تغييب عقولنا وتغيير عاداتنا وثقافتنا وضرب نسيجنا الاجتماعي حتى نصل إلى مرحلة التخلي عن الهوية.
ولأجل الحفاظ على الهوية وكل مايتعلق بها يجب أن لايبقى المبدعون في الكواليس، يجب عليهم أن يقوموا بدورهم في مواجهة هذه الشرور والأفكار الدخيلة وإعادة بناء الإنسان الذي تهدّم وهذه هي المعركة الحقيقية.
على مر السنوات الماضية من الحرب الضروس ظهرت نتاجات مهمة من أعمال درامية وروايات وداووين شعرية وأقيمت العديد من المعارض الفنية التي تجسد معاناة الإنسان السوري وماتعرض له في هذا الغمار.
لقد دون المبدعون السوريون تفاصيل هذه المعاناة من خلال ماوقفوا عليه وشاهدوه ومنهم من دفع حياته ثمناً لتدوينه هذه التفاصيل.
وعلى رغم أننا لا نستطيع إحصاء الأعمال الأدبية التي صدرت في فترة الحرب وهي بالمئات ،أكاد أجزم أن هناك أعمالاً أهم من كل ما ظهر لاتزال حبيسة الأدراج ما أن ينجلي غبار هذه الحرب الظالمة حتى تظهر تباعاً غير آبهةٍ بكل ماصدرته الشاشات من محاولات لتشويه حقيقة الأحداث والمجريات.
العدد 1182 – 19 -3 -2024