الثورة- هفاف ميهوب:
“القارئ هو الفضاءُ الذي تُنقشُ عليه كلّ الإحالات التي تتألّف منها الكتابة، من دون أن تفقد هويّتها.. إنه الشخص الممسكُ بكلّ الآثارالتي يتشكّل منها النصّ المكتوب، فمولد القارئ يجب أن يكون على حسابِ موت المؤلّف”..كلماتٌ، وردت ضمن نظريةٍ تُعتبرمن أهم وأشهرالنظريات التي وُضعت في فنّ القراءة.. نظرية “موت المؤلف” التي يرى الناقد والمفكّرالفرنسي “رولان بارت” فيها، بأن دور الكاتب ينتهي بانتهاء كتابه، لتبدأ بعدها حياة هذا الكتاب، مثلما حياة القارئ الذي منحّه، وبعد أن حيّد دور المؤلّف، حرّية الشعوربلذّة النصّ، مثلما الحقّ بأن يكون الوحيد الذي يحقّ له أن ينقده..إنها النظرية التي أيّد الأديب والفيلسوف الفرنسي “جان بول سارتر” إشارتها إلى الدور الهام للقارئ، ولكن دون أن يحيّد أو يلغي دور المؤلف. ذلك أن القارئ برأيه، هو من يمنح النصّ وجوده، ومن خلال قراءته وإعادة صياغته لما يقرأه، وصولاً إلى اكتمال عملية الإبداع التي يشارك فيها كليهما.. عملية التلقي التي تبدأ من الكاتب وتنتهي لدى القارئ، والتي تحتاج لجهدٍ، قال عن الأثرالذي يتركه، ويساهم فيه كليهما:”جهد المؤلف وجهد القارئ المرافق له، هوالذي يُبرزُ للوجود ذلك الأثرالفكري المحسوس والخيالي معاً، فلا وجود للنصّ إلا بواسطة الآخرين ومن أجلهم”.. إذاً، العلاقة بين الكاتب والقارئ، علاقة عميقة وفعّالة، وضرورية لإكمال العملية الإبداعية.. علاقة كانت سبباً في إحراقِ مؤلفات العديد من الكتّاب والشعراء والمفكّرين، مثلما في لامبالاتهم لطالما، كانوا قد أدركوا جميعاً، ما أدركه أصحاب “نظرية التلقّي” في مدرسة “كونستانس” الألمانية، ممن كان رائدهم المنظّر والناقد الألماني “هانز روبرت ياوس” الذي يرى في كتابه “جمالية التلقّي من أجل تأويلٍ جديد”: “النصّ لا قيمة له من دونِ قارئ، فهو الذي يخلق النصّ ويهبه دلالاته ووجوده..”.من الروّاد في هذه النظرية أيضاً، المنظّر والناقد الألماني “فولفجانج إيزر” الذي اعتُبر مع “ياوس”، وبالإضافة إلى كونهما من أوائل المنظّرين في ألمانيا، من أهم وأبرز من لفت الأنظارإلى جمالية القراءة عموماً والتلقّي خصوصاً، حيث “استجابة القارئ” للنصّ الذي رأته نظريّتهما:”النصّ بلا قيمة من دون قارئ، فالقارئ هو من يخلق النصّ، ويمنحه دلالاته ووجوده، فإن كان النصّ ذا فجواتٍ، فإن القارئ المتميّز هو من يقومُ بملئها”.