الزُّجاج اليدوي.. هوية تراثية في إصدارات الطوابع البريدية

الثورة – عبير علي:

بعد إدراج صناعة الزُّجاج اليدوي التقليدي السوري على قوائمِ المنظمة الدَّولية “اليونسكو للتربية والثقافة والعلوم” كتراثٍ ثقافيٍ غير ماديِّ وضمن قوائم التُّراث الثقافي الإنساني.
البريد السوري كعادتهِ تَميز بإصدارِ مجموعةٍ من الطوابع البريدية لهذهِ الحرفة المُهمة مع بطاقةٍ جميلة وثقت لطقسِ الممارسة توجت هذهِ المجموعة.. والطوابع البريدية ليست حالة عابرة، بل هي رحلة تجوبُ العالم لتنشر ثقافة الشعوب وتراثهم مُتعدد الجوانب.
وللتعريف أكثر بهذه الحرفة الموغلة في القدم التقينا الباحث مُحِمَّد فيَّاض الفيَّاض الذي أكد أنَّ حرفة الزُّجاج اليدوي وجدت مُنذ عرف الإنسان الصناعة، وهي حرفة مُهمة لها جذورها ورواسبها التاريخية.
والزجاج كما نعلم كلمة عربية وردت في القرآن الكريم:((اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ * مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ * الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ * الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ * نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ * يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ * وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ * وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) النور (35)
وفي المعجمِ صانع الزُّجاجِ يُسمى الزَّجّاج. والزُّجاج اسمُ نوعٍ.
وقد وصفَ الرَّحالة ابن بطوطة دمشقَ عندما زارها في نهايةِ القرنِ الثالث عشر وبداية القرن الرَّابع عشر بأنَّها مركز صناعة الزُّجاج ولم يكن إنتاج الزُّجاج محصورًا في بلادِ الشَّامِ وحدها بل كانت مصر والعراق والأندلس تنتجُ أيضًا كمياتٍ كبيرة منهُ منذ القرن الثَّامن وما بعده.
ولعلَّ حلب الشهباء تبوأت المكانة ذاتها في هذهِ الصنعة وتجلياتِها.
وكانَ الزُّجاج يقطعُ من البلور الصخري ويُشكلُ بطريقة النفخِ بواسطةِ أنبوب معدني.
الديار الشامية
وبحلولِ القرن الثالث عشر تربعَ الزُّجاج الشَّامي على عرشِ الصناعات كُلّها، وأصبحَ التُّجار والهواة في أنحاءِ العالم يقصدونَ الدِّيار الشَّامية بُغية الظفر بقطعة من هذهِ المنتجات المميزة لتأملِ سحر وعبق هذه الصناعات ذات البريق المعدني.
ويقال أيضاً إنَّ عباس بن فرناس الأندلسي هو الذي ابتكر تقنية قطع البلور في قرطبة خلال القرن التاسع، وكانَ يعرف الخصائص العلميَّة للزجاج، وأسهمَ في التجاربِ الأولى على العدسات وفكرة تكبير الخط.
وأضاف: لقد عثر عالم الآثار الفرنسي كلود شيفر في رأس شمرا “أوغاريت” في سورية على كشفٍ مُهم وهو عبارة عن مجموعةٍ نادرةٍ من الخرزِ وأُسطواناتٍ زُجاجية، وخاتم من زُجاج أزرق تعود هذه المُكتشفات إلى الألفِ الثاني قبل الميلاد، ويؤكد بعض المؤرخين أيضاً أنَّ صناعة الزُّجاج بدأت في بلاد الشَّام وانتقلت إلى مصر على يد بعض الصُّناع الذين اصطحبهم تحوتمس الثالث بعد غزو سورية، كما نقل التجار الفينيقيون زجاج صيدا وصور إلى أنحاءٍ مُختلفة من العالم القديم، وقد استمرت هذه التجارة رائجة حتى العهد الروماني.
وبين أن دمشق اشتهرت بصناعة الأواني والمشكاوات والسُرج الزُّجاجية المُذهبة والمنقوشة بكتابات وبخطوط مختلفة، ولا تزال متاحف العالم تحتفظ بالنفائس منها.
المحطة الأولى
وذكر الباحث فياض أنَّ بلاد الشَّام كانت المحطة الأولى في صناعة الزُّجاج التقليدي التي ابتكرها الفينيقيون في بداية الأمر، وغدت دمشق عاصمة الأمويين التي امتدت إلى تخوم الصين شرقاً وإلى أوروبا غرباً، مصدراً لصناعة الزُّجاج، تشاركها في هذا الإبداع المتميز مصر ومنذ العصر الفاطمي.
إذْ عثر في الفسطاط بمصر، وفي الرقة بالشَّام على آثارٍ قديمةٍ لهذهِ الصناعة التي انتشرت بعدها في العراق حيثُ تبدو آثارها واضحة ولاسيما في سامراء، ثم انتقلت إلى بلادِ فارس إذْ تشاهد بقاياها في ري ونيسابور وفي شيراز.
وفي سمرقند ترسخت هذه الصنعة بعد أن انتقل إليها الزجّاجون من أهل الشام، بعد أن ساقهم بالقوةِ تيمورلنك عام 1400م مع الصناع الآخرين لتحقيق نهضته في مسقطِ رأسه سمرقند.
وفي المتحفِ البريطاني يوجد صحنٌ ممّوه بالميناء من سمرقند، تعود نسبتهِ إلى زجّاج انتقل من أرض الشام.
كما انتقلت صناعة الزجاج غرباً إلى أوروبا حتى الأندلس، وقد عثر في قصرِ الزهراء في قرطبة على نماذجٍ لا تختلف عن الزجاج الشرقي.
وتمركزت هذه الصناعة أيضاً في جزيرة مورانو (Murano )من أعمال البندقية، وكانت هذه الصناعة مستمدة من تقاليد الصناعة الشامية، بل إن بعض المشكاوات الشامية قلدت وزورت.

قمة الإبداع
وفي العصر المملوكي وصل الزجاج الممّوه إلى قمة الإبداع والتفرد ولاسيما في صناعة المصابيح «المشكاوات وهي جمع مشكاة» كما وردت في القرآن الكريم. وهي قناديل زجاجية على شكل أوانٍ ذات عروات تربط بها سلاسل معدنية بغية حملها إلى كرة زجاجية مزينة وممّوهة كالمشكاوات، كانت تعلق في سقوف القاعات، وتزين هذه المشكاوات بأشرطة زخرفية ورنوك (شارات) السلاطين والأمراء، وكتابات قرآنية أو تاريخية. وأكثرها يعود إلى القرن الثامن الهجري (14م)، وهي محفوظة في متحف الفن الإسلامي في القاهرة يعود بعضها إلى مدرسة السلطان حسن (1347ـ1360م). وفي متحف متروبوليتان في نيويورك مجموعة من المشكاوات تعود إلى الشام أو إلى مصر.
لم يقتصر صنع الزجاج في العصر المملوكي على المشكاوات، بل امتد إلى جميع أشكال الأواني، من صحون وأكواب تحمل زخارف مشابهة لزخارف المشكاوات، مع إضافة رسوم آدمية وحيوانية عليها، ولقد صنعت من هذه التحف في القاهرة، مجموعة من الأواني لسلاطين بني رسول في اليمن.
وتابع الباحث فياض بالقول.. إن الحديث عن صناعة الزُّجاج في سورية يثير الشجون ليس فقط لأنَّها صناعة موغلة في القدم ولها رواسب عميقة، بل لأنَّ هذهِ الصناعة انتقلت من هذهِ الأَرض المُباركة إلى الأمصار كلها لتصبح فيما بعد صناعة متطورة لها مدارسها، وهذا يندرج ضمن صناعات أخرى مشابهة منها على سبيل المثال لا الحصر ” النُسج الحريرية وكذلك صناعة الجوهر المتعلق بصناعة السيوف وأغمادها.
والطوابع البريدية التي لعبت الدور المميز في نشر التراث الثقافي السوري بجوانبه كلها، فكلما كانت الطوابع البريدية تحمل مضامين تراثية واسعة كلما كانت أقرب إلى النفوس المتعلقة بحب التراث وعبقه السرمدي.
والطوابع البريدية لا تقتصر أيضاً على تجسيد المناسبات الوطنية والقومية فقط بل تعدت ذلك إلى توثيق العادات والتقاليد وطقوس الممارسات والمعارف إضافة إلى قضايا الأزياء الشعبية، أي هي تناولت جوانب التراث الثقافي المادي وغير المادي وكذلك الطبيعي.
لهذا نستطيع القول: “إنَّ الطوابع البريدية ليست قيمة نقدية نضعها على الطرود والرسائل البريدية وكذلك المعاملات، وإنما هي شكل من أشكال الفن التعبيري وربما الرمزي الغني بقيمهِ الجَّمالية جسدها الفنان التشكيلي بصورة متكاملة لتكون لوحة معبرة تنبض بالحياة تحمل في طياتها فكر شعب عاش على هذه الأرض ردحاً من الزمن، ربما تختفي هذه الأشكال والممارسات والطقوس والحرف بسبب الأزمات والحداثة، عندها تبقى هذه الطوابع كالعطر الأزلي الذي يتسربل في أعماقنا ليقول لنا هذا تراثنا وهذا عبقهُ وعطره مازال هنا يعبق بأنفاسنا.
وفي الختام نستطيع القول: (إنَّ سورية ودمشق على وجه الخصوص كانت ومازالت مهد الفنون كلها، منها انطلقت الأبجدية الأولى ومنها انطلقت أيضاً المعارف الحرفية والفنون الزخرفية مُتعددة الأشكال والألوان).

آخر الأخبار
إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد