عندما نتحدث عن رعاية هوايات الأطفال منذ الأعمار الصغيرة، فإننا نفتح أمامهم باباً لا نهاية له من الفرص والإمكانيات. فالهوايات ليست مجرد نشاط ترفيهي بل إنها وسيلة لتنمية مهارات، واكتشاف مواهب، وتشجيع على الإبداع. إن رعاية الهواية في سن مبكرة تساهم في بناء شخصية متوازنة، وتسهم في تحقيق النجاح، والتميز في المستقبل.
تعتبر الهوايات مصدراً غنياً للتعلم، ونمو الشخصية، فعندما يمارس الطفل هواية معينة فإنه يتعلم من خلالها كيفية التركيز، والصبر، والاحتمال، واكتساب المهارة التي تطور قدراته.. وحين يشعر بالإنجاز، والرضا عن نفسه فيما يقوم به فإنه يعزز ثقته بنفسه، لينمو بالتالي الشعور لديه بالقدرة على تحقيق النجاح.
فالهواية هي تعبير عن موهبة كامنة، وكل فرد في هذا العالم يحمل بداخله موهبة ما، وقدرة فريدة ما تميزه عن الآخرين، قد تكون موهبة في الموسيقا، أو الرياضة، أو الكتابة، أو أي مجال آخر يشعر فيه بالإلهام، والتأثير، فعندما تتم رعاية هذه الموهبة التي تتفتح على شكل هواية، ويتم توجيهها بشكل صحيح، لابد أن تثمر نجاحاً يؤثر إيجابياً في مستقبل صاحبه من حيث جودة حياته، وتفاعله مع الآخرين، وتطور شخصيته العاطفية، واعتزاره بهويته المتميزة، إضافة إلى نجاحاته في مسيرته المهنية التي يكون قد توجه نحوها بالتالي في وقت مبكر إذ عندما يتم توجيه الطفل نحو مجالات يستمتع بها ويبرع فيها تصبح لديه الفرصة لاكتشاف مسارات مهنية تتوافق مع اهتماماته ومواهبه، وهذا يمكنه بالتالي من تحديد أهدافه المهنية المستقبلية، واتخاذ القرارات المناسبة لتحقيقها.
إن رعاية الهواية تفتح طريقاً نحو تعزيز الموهبة وتدفع بالتالي إلى الإبداع والابتكار والخروج من صندوق النمطية في التفكير، ما يفتح بدوره أبواباً جديدة للفرص ويسهم في تطور المجتمع، بل العالم بشكل عام. فعندما يتم توجيه الأطفال نحو هواياتهم التي يعشقونها ويستمتعون بها، فإنهم يبادرون إلى تطوير المهارات الأساسية المرتبطة بها، وهذا بالتالي يحفز الشغف لديهم والاهتمام بها والحماسة لاستكشاف المزيد.
ومن خلال توجيه الأطفال نحو مجالات يبرعون فيها فإنهم يتعرفون بأنفسهم إلى قيمة مهاراتهم وقدراتهم الذاتية، ليتطوعوا بشكل تلقائي لمواجهة تحديات جديدة، ويكتشفوا ما لديهم من قدرة على التفوق في مجال محدد أو أكثر، فتنمو الثقة بالنفس، كما تطور الشخصية.
أما الرضا العاطفي، والسعادة الشخصية عندما يمارس الشخص موهبته إنما تنعكس شعوراً بالرضا والتوازن الداخلي والانسجام مع النفس لينعكس كل ذلك على العلاقات الاجتماعية، والعائلية.
ومن أجل تحقيق تأثيرٍ إيجابي لرعاية المواهب التي بدأت بالهوايات على مستقبل الأفراد فعلى المجتمع والأسر والمؤسسات التعليمية العمل معاً لتوفير بيئة داعمة تشجع الأفراد على اكتشاف ما يكمن لديهم من إمكانيات يمكن تطويرها بتوفير فرص التعلم والتدريب المناسبة لها، بالإضافة إلى الموارد والمواد اللازمة لاستمرارها، والاستفادة القصوى منها في المستقبل الاحترافي ليكون ناجحاً.
رعاية هوايات الأطفال منذ الأعمار الصغيرة تعزز عملية التعلم والتحصيل الأكاديمي مستقبلاً، كما التنمية العقلية، فهي تشجع الابتكار، والإبداع، وتعزز التفكير النقدي، وحل المشكلات، فعلى سبيل المثال عندما يمارس الطفل هواية البرمجة، أو الفنون التشكيلية، فإنه يتعلم كيفية التفكير بشكل منظم، وإيجاد حلول للتحديات المختلفة، وهذه المهارات العقلية الأساسية ستكون لها فائدة كبيرة في المستقبل في أي مجال يختاره الطفل. وقد تكون لديه أكثر من موهبة واحدة فتدعمها أخرى نالت فرصتها من الرعاية لتظهر، والتفوق في مجال معين يعزز تفوقاً آخر في مجالٍ ثانٍ.
وبالطبع لا يمكن إغفال الفوائد الاجتماعية لرعاية هوايات الأطفال، فعندما يشارك الطفل في نشاط يهواه، ويستمتع به، فإنه يتعلم كيفية التعاون مع الآخرين والتواصل، والعمل ضمن فريق. كما يمكن أن تكون الهواية سبباً للقاء أصدقاء جدد، وتوسيع دائرة صلات اجتماعية للطفل.
إن توجيه الأطفال في عمر مبكر إلى مهارات بعينها تكوّن لديهم الجرأة لممارستها وتوظيفها مستقبلاً، والاعمال الفنية الجماعية تحقق تفاعلاً مع المجتمع وما يصل الى الابتكار والتميز، فلنقدم إذن الدعم والتشجيع لصغارنا في ممارسة هواياتهم حتى نكتشف ما لديهم مواهب وإمكانات كامنة، فالحياة تتجدد عن طريق هذا الاستثمار المستقبلي.
* * *