نظرتنا لم تكن في يوم من الأيام سوداوية، وإنما واقع حال أسواقنا هو السوداوي ـ القاتم نتيجة “لعنة الكسب السريع والإثراء غير المشروع” التي حلت كالصاعقة على رؤوس وجيوب ومحافظ وما تبقى “إن تبقى” من مدخرات أصحاب الدخل المحدود جداً جداً، الذين أتت الأسعار اللاهبة والكاوية كالجراد على “أخضر ويابس” راتبهم المقطوع أصلاً.
البعض شبه ما يجري حالياً في أسواقنا بالنزال غير المتكافئ ولا العادل أو المنصف والمحسوم النتيجة مسبقاً لمصلحة وحساب تجار الجملة ونصف الجملة والمفرق والباعة، الذين دائماً ما ينجحون في كسب نقاط البيع والربح كاملة وباحترافية عالية خلال الدقائق الأولى من الجولة الشرائية ـ التسويقية الأولى التي يخوضها من كانوا ومازالوا أصحاب دخل محدود جداً جداً، ليس فقط خلال عيد الفطر “السعيد بأجوائه لا بأسعاره” وشهر رمضان المبارك، وأعياد الفصح ورأس السنة، وإنما في كل مناسبة وكل عرس يكون فيها للصوص الأسواق “وحدهم دون غيرهم” قرص الأرباح الطائلة.
حالة الشطط المزمن الذي تعيشه أسواقنا، لم يقتصر على أجواء الفلتان السعري، وكثرة العرض وندرة الطلب، وإنما امتدت وبشكل مريب ومخيف إلى مربع الغش بمكونات المواد الأساسية والسلع الضرورية ولاسيما الغذائية منها وحالات الضبط التي أماطت اللثام عنها مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك في المحافظات بالجرم المشهود، وتأكيدها أنه وبعد الكشف على أماكن “غير المرخصة وغير الملتزمة بأدنى الشروط الصحية والسلامة الغذائية” تواجد تلك المواد، تبين أن المواد المضبوطة غير صالحة للاستهلاك البشري وذات رائحة كريهة، وعليه تم تنظيم الضبوط اللازمة بحق المخالفين وإتلاف كامل الكميات أصولاً بحفر حفر وطمرها بها حفاظاً على الأمن الحيوي واستكمال جميع الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين.
نعم، لا يكاد يمرّ أسبوع دون أن يطّلع الشارع السوري على أرقام جديدة “متواضعة” تتداولها وسائل الإعلام المختلفة حول حجم المحجوزات من المواد الغذائية منتهية الصلاحية أو الفاسدة، خلال حملة مراقبة واحدة بسوق معيّن.
هذه الأرقام بقدر ما تبعث على الطمأنينة بالنسبة للمستهلك مرحلياً، بقدر ما تثير قلقه بشأن ما يتم استهلاكه في باقي أشهر السنة، في ظل “غياب المراقبة الضاربة والمكثّفة للأسواق والمحال التجارية” .. بقدر ما تثير تساؤلاته حول الغياب الكبير لأي دور أو حضور أو موقف لاتحاد وغرف التجارة .. بقدر ما تدفعه للمطالبة بغليظ عصا العقوبات والغرامات بحق لصوص الأسواق وغاضي الطرف عنهم .. والتأكيد أن صحتنا وسلامتنا وأمننا الغذائي ليست سلعة للبيع، وإنما خط أحمر ممنوع الاقتراب منه تحت أي ظرف أو سبب كان.