الثورة – غصون سليمان:
في ملاحم التاريخ كتبت وثائق الجلاء بدماء المجاهدين الأبطال الذين لووا ذراع العدو الفرنسي الغاصب وقهروه بقوة الإرادة ومحبة الوطن، فقدموا أزكى التضحيات وأبهاها لتحقيق الاستقلال الوطني.
ففي عيون الجلاء المظفر تجسدت عهدة اليقين والإيمان بنصر وانتصار الدم السوري مهما تغطرس العدو وعظمت قدراته المادية والمعنوية، وما بين عز الوطن وشموخ الإرادة تفرد صفحات الكبرياء والعنفوان الوطني حكايا وقصصاً مليئة بالعبر والمسرات، رغم قساوة الظروف وقلة الإمكانيات المادية عند رجال الله في جغرافية الوطن وقتذاك..
ولعل المتبصر ليوميات معارك الجلاء في السهول والهضاب والتلال والوديان والجبال ووراء كل شجرة وتلة كانت أنفاس الثوار تشتعل في غرب الوطن وشرقه، في شماله وجنوبه، وبقدر ما كان المستعمر الغاصب يمتلك من أساليب الوحشية والخبث والتضليل والخداع وشراء الذمم، كان يقابله من أبناء الوطن الشرفاء شجاعة القلب وصحوة الضمير والوجدان، وبعد النظر وقوة السواعد، دون خوف أو تردد في مواجهة جحافل العدو المؤللة بالعدد والعتاد.
لقد سرد الكثير في عيد الأعياد عن أساطير وملاحم ومعجزات لأساليب مواجة العدو، ويروي العديد من الأحفاد والأبناء عن آبائهم أجدادهم ومنهم إحدى حفيدات الأبطال والمجاهدين المدرسة “ريم حسن” كيف كان الأهالي بما يملكون، يقدمون الدعم اللوجستي ويؤازرون الثوار مما وثقته الذاكرة وجغرافية الميدان، حين كانوا يتواصلون ويمدون الثوار في سهول حماة وريفها الغربي والساحل السوري بالمؤن من طعام وشراب، وما تيسر من قطع السلاح، إلى جانب حراستهم لكثير من المعابر والدروب، فكانوا الرديف الشعبي من رجال وشباب ونساء وعيون كشافة الثوار ودرعهم الحصين في كل شبر من التراب السوري المقدس، مسطرين بذلك ملاحم الصبر والانتصار بقوة الحق.
لعل ترسيخ قيم الجلاء ومعانيه في ذاكرة الأجيال على جميع المستويات هو امتداد لشعلة النور المضيئة بين الماضي والحاضر الذي بدد مشروع الإرهاب اليوم بجنسياته وصفاته المختلفة لتفتيت هذا الوطن الجامع لأبناء لغة الضاد .
لقد عانت سورية ما عانته في العصر الحديث من ويلات الطامعين والمستغلين، وهي التي هزمتهم بشعبها الأصيل وجيشها المقدام وقيادتها الحكيمة في حرب تشرين التحرير والتصحيح وحرب لبنان، وإلى اليوم عقد النضال لم ينفرط ولن يضل طريقه في نصرة قضايا الأمة الوطنية العادلة.
تحية لأبطال معارك الجلاء من أبناء شعبنا الأبي الذين أضاؤوا لنا طريق المجد والخلود، وعبدوا دروب الكرامة والشرف بصفاء قدسية الوطن بما يعنيه في القلب والروح.. حيث يجسده جيشنا العربي السوري قولاً وفعلاً وسلوكاً بروحه ودمائه وتضحياته وقوافل شهدائه..
كل عام وسورية منتصرة بنبض أبنائها وكرم نفوسهم.