الثورة – يمن سليمان عباس:
الشهادة قيمة القيم وأعلى مراتب الخلود التي يصل إليها الإنسان.. فهل من فعل أعلى وأغلى من أن يقدم المرء روحه من أجل أرضه ووطنه.
اليوم ونحن نحتفي بذكرى شهداء السادس من أيار الذين صعدوا أعواد المشانق وهم يرددون من أجل الوطن كل شيء يهون.
هم القافلة الأولى التي كانت في القرن العشرين وأسست لاستقلال الوطن العربي من نير الاحتلال العثماني.
وتتالت أفعال التضحية بعدها من أجل الوطن والأمة، فما مر يوم بعدها على سورية إلا وكانت مواكب الشهداء… في كل قرية ومزرعة وبيت.
الشهادة هي معراج إلى الأبدية الخالدة لأنها فعل الفداء..
ومن الطبيعي أن يكون الشهداء على لسان كل شاعر ومبدع،
لقد استجاب الأدب لفعل العطاء وغمس إبداعه بعطرهم الخالد.. ها هو بدوي الجبل يقف عند الشهادة وفعل البطولة التي أبداها أبناء سورية في مواجهة الاحتلال الفرنسي وعدوانه:
فمن رأى بنت مروان انحنت تعبا
من السلاسل يرحم بنت مروانا
أحنو على جرحها الدامي وأمسحه
عطرا تطيب به الدّنيا و إيمانا
أزكى من الطيب ريحانا وغالية
ما سال من دم قتلانا وجرحانا
هل في الشام وهل في القدس والدة
لا تشتكي الثكل إعوالا وإرنانا
تلك القبور ولو أنّي ألمّ بها
لم تعد عيناي أحبابا وإخوانا
يعطي الشّهيد فلا و الله ما شهدت
عيني كإحسانه في القوم إحسانا
وغاية الجود أن يسقي الثرى دمه
عند الكفاح ويلقى الله ظمآنا
والحقّ والسّيف من طبع ومن نسب
كلاهما يتلقّى الخطب عريانا
ولن ننسى ما قاله الشاعر القروي وقد صار أغنية على كل لسان:
خير المطالع تسليم على الشهدا
أزكى الصلاة على أرواحهم أبدا..
لقد علقتكم يد الجاني ملطخة
فقدست بكم الأعواد والمسدا.
أما سليمان العيسى فهو الشاعر الذي عزف على لحن الخلود:
ناداهم البرق فاجتازوه وانهمروا
عند الشهيد تلاقى الله والبشر..
بدوره محمود درويش قرأ فعل الشهادة بفعل إبداعي غاية في العمق والقدرة على فلسفة الحياة.. يقول :
عِنْدمَا يَذْهَبُ الشُّهَدَاءُ إِلَى النَّوْمِ أَصْحُو، وَأَحْرُسُهُمُ مِنْ هُوَاةِ الرِّثَاءْ
أَقُولُ لَهُم: تُصْبحُونَ عَلَى وَطَنٍ، مِنْ سَحَابٍ وَمِنْ شَجَرٍ، مِنْ سَرَابٍ وَمَاءْ
أُهَنِّئُهُم بِالسَّلامَةِ مِنْ حَادِثِ المُسْتَحِيلِ، وَمِنْ قِيمَةِ الَمَذْبَحِ الفَائِضَهْ
وَأَسْرِقُ وَقْتَاً لِكَيْ يسْرِقُوني مِنَ الوَقْتِ. هَلْ كُلُنَا شُهَدَاءْ؟
وَأهْمسُ: يَا أَصْدِقَائِي اتْرُكُوا حَائِطاَ وَاحداً، لحِبَالِ الغَسِيلِ، اتْرُكُوا لَيْلَةَ
لِلْغِنَاءْ
اُعَلِّقُ أسْمَاءَكُمْ أيْنَ شِئْتُمْ فَنَامُوا قلِيلاً، وَنَامُوا عَلَى سُلَّم الكَرْمَة الحَامضَهْ
لأحْرُسَ أَحْلاَمَكُمْ مِنْ خَنَاجِرِ حُرَّاسِكُم وانْقِلاَب الكِتَابِ عَلَى الأَنْبِيَاءْ
وَكُونُوا نَشِيدَ الذِي لاَ نَشيدَ لهُ عِنْدمَا تَذْهَبُونَ إِلَى النَّومِ هَذَا المَسَاءْ
أَقُولُ لَكُم: تُصْبِحُونَ عَلَى وَطَنٍ حَمّلُوهُ عَلَى فَرَسٍ راكِضَهْ
وَأَهْمِسُ: يَا أَصْدِقَائيَ لَنْ تُصْبِحُوا مِثْلَنَا… حَبْلَ مِشْنَقةٍ غَامِضَهْ.
نعم إنهم الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر، لقد ارتقوا لنحيا بدمائهم الزكية الطاهرة.
فعل الشهادة في تاريخ سورية ماضياً وحاضراً وفعل ديمومة في كل بيت وقلب كل أم وأب.. إنها الحياة التي نريدها بكرامة.