الثورة – رشا سلوم:
هل حملت معها براري الساحل بما فيها من زعتر وطيون وهندباء وغار وسنديان وهل كان البنفسج رفيقها في رحلة تبعد آلاف الأميال؟؟؟
فرات إسبر.. امرأة من عصر البراءة الأولى والدقة الإبداعية التي لا تغادر المعنى البكر لكل جمال جذورها في الأصالة والتراث لكنها تورق حداثة وقدرة على توليد المعنى.
في سلسلة إشراقات التي تصدرها دار التكوين في دمشق ويشرف عليها الشاعر الكبير أدونيس كانت مجموعتها المتميزة أطلس امرأة برية.
في المجموعة اتساع البراري التي تبوح بكل شيء، ولكنها تخفي الأكثر، تجد الجبال والهضاب والسهول وكل ما في جماليات الحياة البرية، لكنك تبقى ممسكاً بالجمال، فاللغة عذبة فرات ولكل من اسمه نصيب.. في نصوصها تجد ما هو مألوف.. بل تدهشك القدرة على التكيف ولأن الاختزال يفسد المعنى ويشوه الجمال في الشعر نقدم هذين النصين من المجموعة.
١-
زهرة الماء الأخيرة
نطفة في فم الماء كنت
شاء من شاء وجئت
على متن الريح أتيت
كان تشرين والريح تهب
وما على الباب سوى ماء ساخن وصراخي
لم يسمع الحمام هديله
وجب يوسف ارتفع
خطوة خطوتان هاأنذا على الأرض
هاأنذا فوق التراب
من قرار مكين إلى فرار لعين
كبرت كالماء صرت نهراً
وبقلب يشبه المشكاة خرجت
مضيت في الأرض أخضر
إنها سيرة الأولين
إنها سيرة الزرع إذا أخضر مات
أنا في الأرض زهرة الماء الأخيرة.
مرت بي صحارى ومرت بي سواق
وريح كانت تهدد ما تبقى من هيامي.
ليتها الأرض ما أخذتني في تعاريجها.
ليتني كنت كالنخل أسمو عميقاً كي لا تهزني ريح الزمان.
علوت انخفضت ومن الصخر شققت نبع مائي.
كنت مثل سحاب تائه يغزو من بلاد إلى بلاد.
إذا صدمته الريح يعاند وأحيانا يفيض من أسى وعناد.
٢-
لكل رغبة ظلامها
الزمان ملك
والأيام خواتيمه
كل يوم يخلع خاتماً ويرميه
ما لها الدنيا امتلأت بالصدأ
مثل برميل مر عليه ماء المطر
وغفا تحت شباك قديم في قرى تطحن النسيان.
صدئ هذا العناق
والمسامير في الأقدام
قلب يشحن طاقته بالصدأ
ويعلم النبض أن يستجيب للظلام
لكل رغبة ظلامها
مثل حكايات الربيع الخجولة
تمد رأسها بحنين إلى قبلات الضوء.
على ضفة النهر ابني بيتا
اجمع الذكريات فيه طعما للسمك
وكلمات قفزت صوبي واحدة بكت من وحشة ما رأت.
تعلمت الكلام من صمت الزمان
تعلمت أن أضيع مع عشبة تلهو
أو في رجفة عصفور.
في صمت لا يعرف النطق
إشارات تعلمتها من خرس الزمان إذا مرت عليه المحن.
لي ما ينقر ذاكرتي ويقلق نعاسها
مثل اللقالق في أعالي القمم
تتكاثر بالبيض وأنا أتكاثر بالذكرى.
اختار طريقاً لا تمر بين البشر وأنأى
على الضفة شجرة
تطرح الحزن ثمارا ناضجة
وتزهر بصمت الكاهن.