الثورة – هفاف ميهوب:
عندما نصح الأديب والشاعر والمترجم الأرجنتيني “خورخي لويس بورخيس” طلابه، بعدم قراءة الكتاب الذي لا يعجبهم، أو الذي لا يقدّم لهم متعة.. أيضاً، بعدم قراءة الكتب المملّة، أو التي تجذبهم عناوينها فقط.. عندما نصحهم بذلك، لم يكن يعرف بأنها ستكون وصيّته الأخيرة.. الوصيّة التي لم يخطّط لكتابتها، والتي خاطبهم فيها: يجب أن تكون قراءة الكتب، إحدى أسباب السعادة الخاصة، لا السعادة الإلزامية.. اقرؤوا كثيراً.. اقرؤوا من أجل متعتكم، ومن أجل أن تسعدوا”..
نتساءل، ونحن نقرأ هذه النصيحة التي صدرت عن مبدعٍ، عشق الكتب حدّ تخيّله بأن الجنّة عبارة عن مكتبة: يا تُرى، كم قارئٍ اليوم يعمل بنصيحته، وكم عدد من يقرؤون كتباً ممتعة، تُشعرهم بالسعادة التي كان يشعر بها، كلّما تناول كتاباً وبدأ بقراءته؟..
هي مجرّد أسئلة، ولا تحتاج إلى إجابة، ولا سيما بعد أن تمّ عزل الورق عنا، حتى ونحن نعيش عزلتنا.. حصل ذلك حتى قبل انتشار “كورونا” الذي تمّ الادّعاء، بأنه وباء، وبأن ملامستنا الورق تشكّل خطراً على حياتنا..
فقدنا الاحساس بملمسه، وبجمالِ عالمه ورائحته.. فقدنا أيضاً، القدرة على استكشافِ العالم الذي كان عالم الفيزياء الشهير “إنشتاين” قد استكشفه وتأمّله، ضمن “حيز صغير اسمه الورقة”..
لا يعني ذلك بأن عشّاق الكتب الورقية، باتوا قانعين ومكتفين، بالقراءةِ التي فرضتها الشاشاتِ الالكترونية، وبأنهم لا يشعرون بتأثيرِ ذبذباتها عليهم.. على عقولهم وتركيزهم وعمق قراءتهم،.
لايعني أيضاً، بأن معارض الكتب لم تعد ذات أهمية، وبأننا فقدنا متعة القراءة و الإحساس بالحياة والتجارب التي تصنعها لنا، كتب كثيرة ومهمة موجودة فيها، وتشعرنا قراءتها بسعادة حقيقية..
حتماً، كُثرٌ لازالوا يشعرون بذلك، وكثرٌ يؤيّدون، ما بات واقعاً مؤلماً، كان من تلمّسه، الكاتب الياباني “سوزوكي ناتشوكاو” في قوله:
“في الماضي، كان طبيعياً أن يكون للكتبِ أرواح.. يعرف ذلك من يقرؤون الكتب، ويتبادلون الدعم والتعاطف معها.. تقريباً، لا مجال الآن للقاءِ كتابٍ له روح.. ليس هذا فقط، بل لم يعد أحد يعرف أن للكتبِ أرواحاً، فقد باتت مجرّد رزمٍ من الورق، فوقها حروف مطبوعة”..