الملحق الثقافي- منذر حسن:
للشاعر و الأديب الأستاذ علم عبد اللطيف
المجموعة وقعت في مئة وسبعين صفحة وهي صادرة عن وزارة الثقافة..الهيئة العامة السورية للكتاب.
أغلب قصائدها من الشعر الكلاسيكي أو من الشعر الحر، كما اغتنت بنصوصٍ نثريّة عذبة،تلك المجموعة وصلتني بإهداءٍ يكبُرُني، وبمحبّة أنحني لها.
أوّلُ ما قرأتُ منها..أبيات على غلافها:
/ياللهوى
في الوعد شيّدَ لهفتي
و أنار نجماً في الخيالِ
و أطفأه./
وقرأت أيضاً..
/ياللهوى، لم أدرِ كيفَ..متى وأينَ
أقامَ بين خرائبي
وبنى صروحه/
جملتانِ شعريتان أخذتاني إلى دروب الشعر العربي، عتيقهِ وجديده، وإلى ما نراه الآن من دروب الحداثة و تجاربها.
لا أقول..بأن تلك الكلمات القليلة قد أوجزت كلّ تلكم العناوين الكبيرة، والحقيقة فإن مالفتني كان الصدق..
الذي يفتح أمام الشاعر دروب الشعر
/بعضُ نزفٍ من عذوبة./
/قد تشّهتهُ دمانا…/
خابيةٌ أسكَنَها الشاعر ذوبَ قلبه
وانتظَر.
/»ليتَ أنّا في دِمانا
قد عرفنا أن نُذيبه
كي يوافينا ربيعاً
في أمانينا الرّحيبة.»/
قصائدُ تعود بالنفس إلى سجيّتها الأولى، لغةُ البدء، اللغة الأمّ الخالقة..منذ ضربها أوّلُ برقٍ ..جعل دروب الشعراء ممكنةً.
هنا..
لن أدخل في اللغة الجافة لأستمطر عوالم الشاعر مالم أجدهُ، ولا في اللغة الدافئةِ لأنعمَ بتهويدةٍ تلوّنُ غربتي.
سأتمشّى بين الظلالِ، أتنسّمُ عطرَ الضّفائر، أتذكّر..
مايفعلهُ المطر.
وقبلَ أن أبدأ بالعناوين سأقولُ له:
ليتك وضعت لكل قصيدة عنوانا، و..أسمعه يرد:
لا يحتاجُ الشعر..فكلّ كلمةٍ شاعرة؛ و لكلّ جديلةٍ روحٌ لاتحبّ أن نوجزها، أو نلوّحَ لها..
لنتركها..
فضاؤها أولى بها.
..
أمّا عن الشعر و النثر فسأقتبسُ من بيدرٍ آخر
/» كانَ في نقطةِ البدءِ رسمٌ،
يقولُ الحكايةَ..هكذا، ثمّ لايعيد./
لم يشأ أن يعيرَ الحواضرَ شكلاً جديداً، ولا أن يعمّمَ نعتَ الرّسوم.
أو..هوَ..
لا يريد./
وسأختم هذا الفصل بمقطعٍ لهُ أو بمقطعين
/ ليسَ الإنشاد حكراً للطرب/
و/ساجلَ الحمامُ الخيالَ، فشربَ الشعراء نبيذ القصائد./
تلك الأسطر الماضية كتبتها لأن الشاعر الأستاذ علم لم يكترث بوضع عناوينَ لنصوصه، كما لم يفصل بين الشعرالمكتوب شعراً والشعر المكتوب نثراً..لكنه كتب في ختام نصٍّ له:
/بعد أن تمحوَ أيها الشاعر
خطوطَ قفصٍ..
رسمتَه بقصيدتك على الأغصان
انتظر..
أن يطيرَ الحمام./.
..
قلتُ…أنا ..سأرافقُ الحمامَ..
رأيت الشاعر يهمسُ للقمر، يشير إلى طلّته، و إلى ضوئه سلّماً للجمال، ثمّ يسبغ علينا دوائرنا، ويهبنا دوائره حتّى لنكاد نتنزّلُ به، ونكتمل..ونحن نلملم حكاياتِنا و أسماءَنا هالاتِ ضوءٍ يرتّلها الشجر.
في نصٍّ آخرَ..كانَ الشاعر يخمّر الأماني بين باصرةٍ وقلب، ويمازجُ الشوقَ مابينَ صحوٍ و سُكْر، وينهلُ العشقَ ما بينَ دمعتينِ..ورفّتين، حتى ليكاد يوجزُ حالةَ شغفٍ كوني ..تتوق إلى الحبّ مختمراً من سحره ومن سحرٍ معرفيّ..حلمٍ للعشّاقِ وللصوفيين..
بينَ هذين يترك الشاعر المسافة الكبرى للحضور..حضور أن أكونك..أودعُ لديك حبي، تهبني.. لطفَ محيّاكَ ودفءَ قلبي..
معاً.
حالةٌ تشبه حلماً يخاف عليه حالمُه
/» أتكفي الرؤى مبصريها
أنا مثل صوفيٍّ لديه الضّياع استوى..
مع يقين القشور./
كلماتٌ من هذا النوع لن تأخذني للقول بأنّ الشاعر قد أخذ منحىً صوفيّاً، فأنا أعرفه و أعرف الكثيرعنه، ما يجعلني أميَل للحالة المعرفية لديه، أو ربّما لمشروعه الشعري..بتلك المعاني المستقصاة لديه إن صحّ التعبير، وحتى إن أغرنا قليلا على قضيّة الشكلانيّة عنده فإنّ عدم التعصّب لشكل من أشكال الشعر هو الواضحُ لديه، حتى بشأن الحداثة فإنه يفصل بين تطوّر القصيدة العربية عنده وبين تجربة الحداثة وقد عبّر عن ذلك مراراً خاصة في كتبه النقدية و آخرها أفرده لمسألة الحداثة موضحاً أن النص النثري لم يكن وريثاً لتطوّر القصيدة الكلاسيكية، بل إنه بمثابة جنس أدبي له كينونته الخاصة و ملابساتُ نشأته..هذا بغضّ النظر عن مسألة الحكم عليه لأن الشاعر يدرك أن الباب مفتوح لتجربة غنيّة..ميزتها الأساسية أنها لم تتبنّ قواعد لها إنما يمكن الحديث عنها من حيث وصلت، وهو يفرّق بينها وبين كتاباتٍ تملأ المنتديات ..وتبدو أقرب للخاطرة أو للنص الأدبي الجميل.
بكلّ الأحوال فإنّ ما أسلفته قد أخذ مدخل القراءة لدي..متمنيّاً أن أكون قد لامست شيئاً مما أراده الشاعر الصديق.
الكتاب يستحق منّا دراسة معمّقة..خاصّة في الجانب النّثري منه..انطلاقا من أهميّة التجربة التي خاضها الشاعر..نثراً وشعراً ونقداً أدبيّاً
في الختام..فإن هذا الكتاب..بعض نزف من عذوبة يشكّل إضافة جميلة وغنيّة لتجربة الأستاذ علم الغنيّة.. أديباً عالياً و شاعراً ألِقاً..
وهي فرصةٌ لنا..أغنى و أجمل.
العدد 1190 –21-5-2024