لماذا لا يكون الإنسان مبدئياً وصادقاً ومتصالحاً مع ذاته في كل تفاصيل حياته؟ هذا السؤال يؤرقني ويشغل ذهني باستمرار لأن الكثير من أبناء مجتمعنا يعيشون للأسف تناقضاً كبيراً بين أقوالهم وأفعالهم، وبين تصريحاتهم وممارساتهم!
لن أتحدث عن المجاملات والنفاق الاجتماعي الذي يمارسه معظمنا على خلفية ثقافة تربينا ونربي عليها، إنما سأتطرق لموضوع يتعلق بمعظم من تسلموا مهمات قيادية أو تنفيذية محلية ومركزية حيث يتناسون كل ما كانوا يقولونه ويوجهون به غيرهم خلال توليهم المهمة، ويمارسون عكسه بعد إنهاء مهامهم فلا يداومون في دوائرهم الأصلية التي ندبوا منها للمهمة، ويبقون في بيوتهم ويتقاضون رواتبهم مثلهم مثل من يعمل طوال الدوام وفي مختلف الظروف، ولا يحضرون اجتماعاتهم التي طالما دعوا لحضورها والالتزام بها عندما كانوا في مواقعهم، ولا يعيشون حياتهم بشكل طبيعي كما كانوا يعيشونها قبل توليهم المهمة لأسباب مختلفة لا داعي للخوض فيها، وطبعاً هذا يعكس ثقافة اجتماعية سيئة في مجتمعنا يساهم الكثير منا في استمرارها من خلال البحث عن مبررات لهؤلاء في كل الجوانب وبشكل يخالف الأصول والقانون ..إلخ
والأمر الثاني يتعلق بنظرتنا للإعلاميين والحرية التي نطلبها لهم، والجرأة والنقد البناء الذي نريد أن يمارسهما كل واحد منهم تنفيذاً لما نصّ عليه الدستور وقانون الإعلام، فمن خلال عملنا وكتاباتنا وطروحاتنا نسمع إطراءً أو مدحاً أو ثناءً من هذا الشخص أو ذاك، كما نسمع كلاماً منه عن أهمية وضرورة أن يعطى الإعلام في بلدنا دوراً أكبر في مكافحة الفساد وأن يتسع صدر الجميع للنقد وللرأي والرأي الآخر، لكن عندما نقترب بأي شكل من الأشكال من هذا الشخص بكلمة نقد مهما كانت صحيحة وبناءة وموضوعية نصبح بنظره غير موضوعيين ولا نستحق أن نعمل بحرية، كما نصبح في نظره متهمين بالقدح والذم ويجب محاكمتنا، ويتناسى كل الكلام الذي كان يصرّح به أمامنا عن حرية الصحافة والرأي والرأي الآخر،.. إلخ.
والموضوع الثالث يتعلق بثقافة الانتخابات، فالكثير منا يعطي صوته لمرشحين غير مقتنع بهم، لا بل إنه يتهمهم بأمور سلبية كثيرة ويحجبه عن مرشحين آخرين طالما تحدث عن أخلاقهم وسلوكهم وكفاءتهم بالخير، وكل ذلك تحت حجج مختلفة: بعضها لأن هذا المرشح الممتاز لم يتصل به أو يزوره ويطلب التصويت له، بينما المرشح الذي يعتبره غير مناسب زاره وطلب منه وقد يكون قدّم له شيئاً، وبعضها لأن فلاناً أوصى بهذا المرشّح غير المقتنع به ولم يوص فلاناً آخر بالمرشح المقتنع به..الخ
أيها السادة كونوا مبدئيين.. ولا تكونوا متلونين حسب مصالحكم، كونوا متصالحين مع أنفسكم ولا تكونوا أسيرين لمتطلبات مواقعكم، فالمهمة مؤقتة وليست وظيفة دائمة.