الثورة – بكين- بقلم ما تينغ – باحثة في معهد دراسات الدول والمناطق بجامعة سون يات سين:
الصين والدول العربية تتمتع بتاريخ طويل من التبادلات الودّية والتعاون المثمر، وتزداد الصداقة بينهما متانة على مرور الزمان، وتتعلم الصين والدول العربية من بعضهما بعضاً مع تبادل المنفعة، ويشارك الطرفان في السراء والضراء، فتستمر العلاقات الصينية-العربية في الارتقاء إلى مستويات جديدة أمام اختبارات الزمان وتغيرات الأوضاع الدولية.
وفي يوم 30 مايو/أيار بمناسبة الذكرى العشرين لتأسيس منتدى التعاون الصيني-العربي، ألقى رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ كلمة رئيسية في الجلسة الافتتاحية للدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني-العربي، مؤكداً أن “بناء المجتمع الصيني-العربي للمستقبل المشترك يجسد تطلعاتنا المشتركة لفتح عهد جديد للعلاقات الصينية-العربية، وخلق مستقبل جديد للعالم الجميل”.
يترسخ مفهوم بناء المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك يوماً بعد يوم، كما يتعمق التعاون الصيني-العربي في جميع المجالات يوماً بعد يوم، وخاصة التعاون الصيني العربي في التربية والتعليم، باعتباره أحد أكثر الطرق فعالية لتعميق الصداقة الصينية–العربية، وتحقيق التواصل والترابط بين الشعوب، وتحمل قضية التربية والتعليم على عاتقها رسالةً مهمةً تتمثل في بناء مجتمع أوثق بين الصين والدول العربية. متماشياً مع دخول منتدى التعاون الصيني-العربي مرحلة جديدة، سيفتح التعاون الصيني-العربي في التربية والتعليم آفاقاً أوسع للتنمية المشتركة، وسيقدم مساهمات جديدة للازدهار المشترك للصين والدول العربية.
وتولي الصين أهمية كبيرة للتعاون في التربية والتعليم مع الدول العربية، وأوضحت أهمية هذا التعاون من خلال سلسلة الوثائق السياسية، وعلى سبيل المثال، أصدرت الحكومة الصينية “وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية” في عام 2016، التي وضعت المبادئ التوجيهية لتنمية العلاقات الصينية-العربية وشددت على الدور الرئيسي للتربية والتعليم في تعزيز العلاقات بين الجانبين. كما أكدت “خطة تنفيذ المنتدى التعاون الصيني-العربي” التي تصدر كل عامين بوضوح على حاجة تعزيز التعاون بين الصين والدول العربية في مجالَيِ التعليم والبحث العلمي. إن إصدار هذه الوثائق السياسية لا يوفّر أساساً متيناً للتعاون الصيني العربي في التربية والتعليم فحسب، بل يمهّد الطريق للتبادلات المتعمقة والتنمية المشتركة في مجال التربية والتعليم.
وبفضل الدعم القوي للسياسات الوطنية، حقق التعاون الصيني-العربي في التربية والتعليم إنجازات ملحوظةً في نواحٍ: بالنسبة لتعليم اللغة الصينية في الدول العربية، قامت دول عربية مثل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بدمج اللغة الصينية رسمياً في أنظمتها التعليمية الوطنية، كما بلغ عددُ معاهد كونفوشيوس في الدول العربية أكثر من 20 معهداً، وبلغ عددُ المدارس العربية التي تعلم دورات اللغة الصينية أكثر من مئة مدرسة، وذلك يقدم مساهمات مهمة في تعميق التبادلات الثقافية والشعبية بين الصين والدول العربية. وبالنسبة للتعليم العالي، تفتح العشرات من الجامعات الصينية أقساماً وتخصّصات للغة العربية، والتي حصلت على نتائج مثمرة للتربية والتعليم وأعدت مجموعات من أكفاء الدراسات العربية للصين. إضافة إلى ذلك، حققت سلسلة الفعاليات العلمية إنجازات متميزة، كأنشطة التبادل الثقافي بين الجامعات الصينية والعربية، والزيارات الصينية العربية رفيعة المستوى بشأن التربية والتعليم، وبرامج تبادل الطلاب الوافدين الصينيين والعرب، والمنتديات الأكاديمية وغيرها مما يعزز التعاون الصيني-العربي في التربية والتعليم. ويجدر بالذكر أن التعليم التقني الصيني العربي يُعدّ سمةً بارزة للتربية والتعليم بين الصين والدول العربية، وتتمتع ورشة (لوبان-مصر) بالمدرسة الفنية المتقدمة لتكنولوجيا الصيانة، بتاريخ طويل من التعاون مع مفوضية التعليم بمقاطعة تياتجين الصيني، والتي تهدف لتقديم نموذج حديث للتعليم التقني الصيني-العربي وإعداد ذوي المواهب الابتكارية الممتازة. ولا شك أن التعليم التقني يضيف حيوية جديدة إلى تطوير مجال التعليم والتربية بين الصين والدول العربية.
وفي السنوات الأخيرة، نضجت عمليةُ بناء الآليات التعليمية بين الصين والدول العربية تدريجياً، وأصبحت الآن أكثر كمالاً. و في عام 2023، بادرت جمعية التعليم الصينية واتحاد الجامعات العربية إلى إنشاء آلية التبادل لاتحاد الجامعات الصينية-العربية، ما يمثل مرحلة جديدة من التعاون الصيني العربي في التربية والتعليم.
وتركز آلية التبادل على عشرة مجالات رئيسية في التعليم مثل تكنولوجيا الفضاء، والصحة، والتنمية الزراعية وغيرها، وتعتمد على الجامعات والمؤسسات الصينية والعربية ذات الصلة، وتهدف إلى تعزيز التعاون في إعداد الأكفاء ذوي المزايا العالية، الذين يجمعون بين الأخلاق والكفاءة من خلال التدريبات والبحوث المشتركة.
إن بناء آليات التعليم لا يعمل فقط على تحسين جودة إعداد الأكفاء وتعزيز التبادل بينهم فحسب، بل يساعد أيضاً في مقاسمة الموارد التعليمية واستكمال تطوير التعليم للجانبين، وتقديم الدعم الفكري للتعاون الصيني–العربي الودّي بالمستوى الأعلى.
هناك قول صيني مشهور: الصداقة بين الشعوب هي الأساس الجوهري للعلاقات، يُعدّ التعاون في التربية والتعليم أحد الطرق الفعالة لتحقيق التواصل بين الشعبين، ويلعب دوراً مهمّاً في بناء المستقبل المشترك بين المجتمع الصيني والمجتمع العربي. وفي الوقت الحاضر، تعمل الصينُ والدولُ العربية على تطوير “الدراسات الصينية” و”الدراسات العربية” بشكل نشط، وتُولّي أهميةً كبيرةً لبناء كادر من الأشخاص الذين يفهمون الأوضاع والتاريخ والثقافة في الصين والدول العربية من خلال التعليم، وبالتالي حشد المواهب الممتازة في جميع النواحي لتعزيز التواصل المتبادل والارتباط بين الشعبين.
إن التعاون الصيني-العربي في التربية والتعليم يتمتع بآفاق واسعة في المستقبل، وسيواصل هذا الجهد الشامل والواسع النطاق والمتعدد المستويات على توفير الإسهامات في بناء المجتمع الصيني-العربي للمصير المشترك.
وفي المستقبل، ينبغي للتعاون الصيني-العربي في مجال التربية والتعليم أن يسترشد بخطة التعليم الرفيعة المستوى، وإنشاء آليات التعليم الصينية-العربية في إطار منتدى التعاون الصيني-العربي، والعمل على التخطيط الموحد لدفع الترتيبات الشاملة وبناء إطار متين للتعاون في هذا المجال. ويجب أيضاً تنفيذ التخطيط الطويل الأجل للتعليم، وصياغة خطة تطوير التعليم المتوسطة والطويلة الأجل في إطار منتدى التعاون الصيني-العربي، وجمع الموارد التعليمية عالية الجودة من الصين والدول العربية، وإنشاء منصات تعليمية متعددة المستويات، ورسم مخطط لتطوير التعليم بين الجانبين. ويجب أن تكون المشاركة المحلية بمنزلة جسر، مثل دعوة الجامعات والمؤسسات التعليمية المحلية للمشاركة في خطة تطوير التعليم الوطنية، وتعزيز التكامل العميق بين التعليم المحلي والدولي، وبناء قنوات واسعة للتعاون الصيني-العربي.
وقد أكد رئيس الصين شي جينبينغ في كلمته الافتتاحية للدورة العاشرة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني-العربي على أن الجانب الصيني يحرص على التعاون مع الجانب العربي لبناء “معادلة أوسع أبعاداً للتواصل الثقافي والشعبي”، ودعا إلى تسريع وتيرة بناء منصات مثل “الرابطة الصينية-العربية للمؤسسات الفكرية” و”منتدى تنمية الشباب الصيني-العربي” و”الرابطة الصينية العربية للجامعات”. في المستقبل، سيستفيد التعاون الصيني-العربي في التربية والتعليم من هذه الاقتراحات، وسيبذل أقصى الجهود لمواصلة إثراء محتوى التعليم، وتعميق دلالته.
إن العلاقات الصينية-العربية، التي تمرّ بأفضل حالاتها في التاريخ، تضرب شجرة الصداقة الصينية-العربية بجذورها في التربة الخصبة مع الاحترام المتبادل والمنافع المتبادلة والكسب المشترك، وستظل راسخةً أمام عواصف مهما كانت. طالما أن الجانبين الصيني والعربي يتعاونان بروح الفريق الواحد، فإن فكرة المستقبل المشترك للمجتمعين الصيني والعربي ستظل راسخة، وستفتح العلاقات الصينية-العربية آفاقاً جديدة.