الثورة _ هفاف ميهوب:
في كتاب «دفاعاً عن الجنون».. الكتاب الذي ضمّنه الكاتب والشاعر «ممدوح عدوان» مجموعة مقالاتٍ، تناول فيها خيبات هذا الزمن.. زمن القهرِ والخوفِ والمؤامرات والاغتيالاتِ والمتاهات.. في هذا الكتاب لا بدّ من التوقف لدى إجابة «عدوان» وبعد أن سأل: لماذا الشعر الآن؟.
«في زحمة الحياة والتسابق المحموم نحو الغنيمة، أو النجاة في خضمّ البحث عن منتجعٍ صحّي للحياة، هناك من يستوقفك ليقول لك، إنك قد نسيت شيئاً ما، حين غادرت مسرعاً.. الشّعر يناولك هذا الشيء الذي نسيته، أو تناسيّته أو تعوّدت إهماله، الشّعر يناولك نفسك»..
أما عن السبب الذي يدفعنا للتوقف لدى إجابة «عدوان» هذه، فشعورنا أن شعر اليوم لا يستوقفنا أبداً، ولا يبالي بما نسيناه أو أهملناه أو تناسيناه، بل يتركنا في حالةِ بحثٍ دائمٍ عنا، وفي حالةِ تيهٍ سببها افتقادنا لجمال الصورة، وعمق التأثير وبراعة المعنى..
نعم، بتنا نفتقد كلّ هذا، فلم يعد الشّعر يأخذ في اعتباره، بأن من يقرأه قد يكون وحيداً في عالمٍ بائسٍ وموحش، يحتاجُ فيه لمن يقدّم له ابتسامة صادقة، تردّ عنه شيئاً من ألمِ إحساسهِ بغربته، أو كلمة رحيمة تضمّد جراحهُ، وتشعره بإنسانيّته.
لم يعد الشّعر يفعل ذلك، في زمنٍ ما أكثر ما نحتاج فيه لشعرٍ إيجابيّ يؤكّد لنا، بأنه عظيمٌ لأنه أيضاً، ينبّهنا ويذكّرنا:
«يؤكّد لنا أننا نبكي لأننا لم نتعوّد الذل، ولم نقبله، وأننا ننزف لأننا لم نمت، وأننا نغضب لأننا لم نتأقلم مع الظلم، وينبّهنا لما كدنا ننساه، ويذكّرنا بأننا بشر، وأننا أكبر وأعظم من يومياتنا، وبأننا كنّا قادرين على التمتّع بالجمال، وكنّا ذوّاقين ننفرُ من القبح والحقارة والدناءة، وكنّا أباة نرفض الضيم، مثلما نرفض الغدر والخيانة..»..
هذا ما نحتاجه في عالمٍ، بتنا نبحثُ فيه عن هذا الشّعر فلا نجده، نحاولُ إيجاد ولو قصيدة منه تناولنا أنفسنا، فنشعره يغادر ونعود نحاول، خشية أن يخسرنا ونخسره.
إذاً.. الشعر الآن ضروريّ جداً؟!.. طبعاً، الشّعر الذي يفرضُ على قارئه أن يجد الوقت ليسمعه، وعلى الوقتِ أن يوقف الزمن ويمهله، وعلى الشاعر أن يخلقَ وقتاً إضافيّاً، ليقدّم شعراً فاعلاً ومؤثراً وإيجابياً..
كلّ ذلك، يتطلّب منّا أن نختار الشّعر، كما اختاره «عدوان».. عظيماً وهادفاً وجريئاً في دفاعه عن قضيّته، مثلما عن قضايا الحياة والوطن والإنسان.
هكذا نختارُ الشّعر فيختارنا.. يناولنا أنفسنا كلّما تاهت بنا الحياة، فنناوله الكثير الكثير، أو حتى البعض منّا.