الثورة _ عمار النعمة:
لا شك أن للأغاني الشعبية دوراً كبيراً في حياتنا، فهي ترتبط بمكان أو بيئة أوجماعة ما من البشر، مثال ذلك أهل الريف وأهل الصحراء، تربينا عليها لأنها تحكي واقعنا وتاريخنا وتخبرنا عن الكثير مما عاناه أهلنا، فربما لا نعرف قائلها لكنها بقيت تتردد حتى اليوم في ذاكرتنا.
وللأسف غالباً ما نطلق على الأغاني (البسيطة) واسعة الانتشار أنها أغنية شعبية، لكن حقيقة الأمر أن تلك الأغاني ليست كذلك ولا تشترك مع الأغنية الشعبية سوى في سعة الانتشار.
اليوم وأمام ما نراه من تراجع كبير في مستوى الأغنية الشعبية نقف عند فنان سوري قدم أغنيات شعبية ما زالت مرتبطة في وجداننا نرددها على ألسنتنا، فهي رغم مرور السنين إلا أنها حاضرة في كل مكان وزمان..
إنه الفنان السوري ذياب مشهور الذي برحيله فقدت الأغنية الشعبية أحد أعلامها المميزين الذين ملؤا الساحة الفنية السورية بأغانيهم الشعبية التي راجت في سبعينيت القرن العشرين وخصوصاً بعد مشاركته في المسلسل الكوميدي صح النوم … ثم أتبعه صنّاعه بسهرة تمثيلية بجزأين تحت عنوان (ملح وسكر) في مسلسل صح النوم فقد غنى من خلالها أغانيه ذات اللون الفراتي.
في إحدى حواراته الإذاعية وصف مشهور أغانيه بالقول: (أغنيتي شعبية فراتية بسيطة المعالم واضحة الكلام … فالطفل الذي غنى يا بو ردين يا بو ردانا، وعالماية عالماية، حقق النجاح وهذه القمة التي أريدها) وقد استمر الأطفال وحتى كبروا ما زالوا يغنوها.
ولد ذياب مشهور في محافظة دير الزور بطفولة معذبة وصفها بالقول: طفولتي معذبة، والدي إنسان بسيط ومن أفقر الناس، كان والده معلمه الأول فكان ذو صوت عذب جميل يغني على الربابة مع أصدقائه، وعندما كان يطلب ذياب من والده أن يعلمه بعض أبيات العتابا كان يقول له: (هذه العتابا تجيب الفقر لاتغنيها )…
بدأ ببعض الأعراس في بلدة الموحسن وبعض النوادي الفنية وقد تميّز بالغناء الفراتي الأصيل، قدّم أغاني كثيرة واشتَهَر على مستوى الوطن العربي، اشترك في عدد من الأعمال في التلفزة السورية، منها مع دريد لحام (غوَّار) و ناجي جبر (أبو عنتر) في أعمال فلكلورية سورية قديمة، وعُرف بلقب المطرب الفراتي.
بدأ مسيرته الفينة في عام 1958 شرقي سورية، وتحديداً في موحسن بمحافظة دير الزور، اعتمد على قدرته السمعية وتعلم على يد الموسيقي الكفيف يوسف جاسم الذي عثر عليه في منطقته وعلَّمه المقامات الشرقية وفنون الأداء واستطاع أن يؤلف كلمات أغنياته ويضع ألحانها بنفسه، وكان مشروعه هو نشر الأغنية الفراتية السورية، الذي عمل عليه منذ سبعينيات القرن العشرين، صُنِّف مطرباً في إذاعة دمشق بموجب قرار لجنة مكوَّنة من مجموعة من الفنانين الكبار.
التقى مع الفنان دريد لحام في سنة 1972م واشترك معه في مسلسل صح النوم وغنى بعض الأغاني مثل (طولي يا ليلة) و(ميلي علي ميلي). كما شاركه أيضاً بمسلسل ملح وسكر حيث غنى (يابو ردين) من ألحان عبد الفتاح سكر.
له الكثير من الأغاني الجميلة التي ذاع صيتها في سورية والعالم العربي في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين .. اعتزل الغناء سنة 2004وكُرِّم في حفل بدمشق سنة 2018 .
ختاماً: ستبقى الأغنية الشعبية حاضرة في وجداننا فهي ترسم مشاهد وأحداث تشي وتدل على جمال بلادنا، وتؤكد على أن في كل شارع من شوارع هذه الأرض يوجد كاتب وشاعر وفنان وموسيقي.