نلتقط الأخبار من الإعلام، والصور تؤثر فينا إلى حد البكاء، وهذا ما يجعل خيال كاتب الأطفال إلى جانب إحساسه المختلط مع الحدث يتوافقان في قصة لها عناصر القصة، وهذا بالتالي نوع من التأريخ الذي تطوى صفحاته في الأفلام الوثائقية.. لكن يجب أن يُكرس له في نفوس الأطفال خاصة وأنها قصص واقعية ربما شاهدوها، أو كانوا شاهد عيان عليها ولم يدركوا أبعادها النفسية، أو القومية. ومادامت قضايانا مستمرة فعلينا أن نفعل ذلك، أي أن نرسّخ هذه القضايا بطريقة غير مباشرة.
لعلنا نطمح إلى تشكيل ما نسميه ثقافة المقاومة، وهي تبدأ من الأعمار الغضة لهؤلاء الأطفال لتغدو مبدأً، ووجداناً، وبطولةً. صحيح أن كل مواطن مستعد للدفاع عن وطنه، والجيوش مهمتها ذلك، ولكن رسوخ ثقافة المقاومة يكون له أثر كبير فوق كل ذلك.
فعندما يتعلق الأمر بالحروب والصراعات المسلحة، فإن الصورة الأولى التي تتبادر إلى الأذهان هي الدمار، والخراب، والمأساة. إنها فترات صعبة يعاني فيها الكبار، والصغار على حد سواء. ولكن في ظل هذه البيئة المعقدة، والمرعبة، يمكن للكتّاب، والفنانين الذين يستهدفون الأطفال أن يلعبوا دوراً هاماً في ثقافة الحروب، وتأثيرها على الأطفال عندما يلتفتون إليها في أعمالهم الإبداعية فيتولون مسؤولية التوجيه، والتوعية من خلال ما يبتكرونه من نصوص أدبية، أو أعمال فنية تساعد الأطفال على فهم الظروف الصعبة التي يعيشونها بهدف التخفيف من الآلام النفسية، والعاطفية التي يتعرضون لها، ونقل رسائل الأمل، والشجاعة، والتعاطف من خلال أبطالهم الخياليين الذين تحركهم الكلمة، أو اللوحة الفنية، أو المسرحية، وبذلك يمنحون الأطفال القوة للتغلب على الصعاب، والمحافظة على أحلامهم، وطموحاتهم.
وأذكر أنني في الانتفاضة الفلسطينية الأولى التقطتُ أخباراً موثوقة إعلامياً جسدتها في قصصٍ لسلسلة أسميتها (أبناء الحجارة)، تناولتُ فيها كل ما اختزنته الذاكرة مع الدموع من مشاهد قاسية في مقاومة جيش العدو لبطولات طفولية، أو بطولات استشهادية كقصة (محمد الدرة).
وها نحن الآن نرصد ما تبثه الفضائيات، وتنشره الصحف من صور مؤلمة، ومعاناة مريرة في غزة أغلب ضحاياها من الأطفال لتوثقها الأقلام قبل الأفلام، ولا أستطيع إلا أن أعتبر أن الكاتب يناضل، ويقاوم بقلمه كما الجندي، وكما المعتدى عليه في أرضه، وبيته، وهو أضعف الإيمان. والساحة مفتوحة أمام الكتّاب، والشعراء، والفنانين، والمسرحيين، وصنّاع الأفلام، وكل من له علاقة بعالم الطفولة ليدعم، ويرسّخ ثقافة المقاومة.
فالكاتب، والفنان كل منهما قادر على تعزيز القيم التي تساعد الأطفال على بناء رؤية إيجابية للعالم، وعلى أن يطرحوا قضايا العدالة بطرق تلائم الطفولة في استيعابها مما يعزز الوعي الاجتماعي، والقدرة على التفكير بشكل نقدي، ومنطقي.
وعلاوة على ذلك، يمكن لكاتب الأطفال، وللفنان أن يوفرا معاً للأطفال وسيلة للتعبير عن مشاعرهم، وتجاربهم الصعبة التي يخوضونها في زمن الحرب. يمكن للكتاب أن تكون ملاذاً آمناً يساعد الطفل على معالجة مخاوفه، وأحزانه، وغضبه، وبالتالي يلعب دوراً هاماً في دعم الصحة النفسية، والعاطفية لدى مَنْ يعيشون في ظروف قاسية.
عندما يكون للأطفال كتاب يتحدث إليهم، ويفهم معاناتهم، يشعرون أن هناك من يهتم لأمرهم، ويحترم وجودهم الآدمي.. كما يمكن للكتاب أيضاً أن يكون له تأثيره العميق على حياة هؤلاء في ظل الحروب، وأصعب الظروف إذ تأتي القصص الجميلة بالأمل، والسلام الداخلي قبل أن يتحقق على أرض الواقع. وهي بالتالي وسيلة لتعزيز قدرات الأطفال على التحمل، والتأقلم مع قسوة ما يواجهونه.
ودور كتّاب الأطفال، والفنانين في ثقافة الحروب لا يقتصر على كتابة القصص، أو صناعة الأفلام فحسب، بل إنها المساهمة في تعزيز الحوار مع الطفل من خلال ما يطرح من مضامين تمس الشعور والوجدان، مما يشجع الأطفال على المشاركة في الفنون، والكتابة الإبداعية، والتعبير عن أفكارهم، ومشاعرهم ربما من خلال الشعر، أو القصة، أو الرسم، ويعزز لديهم القدرة على الإبداع، والتعبير عن الذات.
إذن يمكننا القول إن دور كاتب الأطفال في ثقافة الحروب ومعه الفنان هو دور حيوي، ومؤثر يلبي الاحتياج العاطفي، والتعليمي، ويعزز القدرة على التفاعل مع العالم من حول من استلبت أعمارهم الغضة أهوال الحرب.
بواسطة الكلمات، والقصص، والرموز، والرسوم يمكن تشكيل طموحات الطفولة وآمالها، ومسح بعض قطرات الدماء من الجراح النازفة.
* * *