الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
تستغل الولايات المتحدة قمة حلف شمال الأطلسي لتعزيز التدابير النووية في السياسة الداخلية.
وفي بيان صدر مؤخراً، أعلنت وزارة الدفاع أنها ستواصل مشروعها لتطوير صاروخ باليستي عابر للقارات جديد من طراز “سنتينيل”، على الرغم من الزيادة الهائلة في التكاليف.
حيث وافق الكونغرس على الاقتراح على الرغم من طبيعته غير المسؤولة إلى حد كبير، والهدف هو تحسين القدرات النووية للولايات المتحدة في أزمة الأمن الحالية.
ومن المتوقع أن يحل برنامج “سينتينيل” محل جميع صواريخ “مينيوتمان 3” النووية القديمة في البلاد.
وتقدر تكاليف المشروع حالياً بنحو 140 مليار دولار، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 81% في توقعات التكلفة مقارنة بالتقييم الأول للبرنامج.
وكان البنتاغون قد وعد في السابق بإنفاق 77 مليار دولار فقط على إنتاج الصواريخ الجديدة، لكن القائمين على التقييم يقولون الآن إن المشروع سيكلف ما يقرب من ضعف هذا المبلغ.
وبموجب القانون الأميركي، عندما يتوقع أن تزيد تكلفة مشروع ما بنسبة تزيد على 25%، يتعين على الوزارة المسؤولة عن الاقتراح مراجعة البرنامج وتبرير حاجته إلى ذلك أمام الكونغرس.
وبعد دراسة المشروع، خلصت وزارة الدفاع الأميركية إلى أنه لا توجد بدائل لبرنامج “سينتينيل”، وأن المشرعين الأميركيين لابد أن يوافقوا في أقرب وقت ممكن على تنفيذه، وبالتالي ضمان تجديد القدرات النووية الأميركية. وقد وافق الساسة الأميركيون على هذا المطلب خشية “التهديدات” المزعومة.
وقال ويليام لابلانت، وكيل وزارة الدفاع لشؤون المشتريات، عن هذه القضية: “نحن ندرك تماماً التكاليف ولكننا ندرك أيضاً مخاطر عدم تحديث قواتنا النووية وعدم معالجة التهديدات الحقيقية التي نواجهها”.
ومن الواضح أن “التهديدات” التي تراها الولايات المتحدة فيما يتعلق بالقضايا النووية تركز على روسيا.
فمنذ بداية العملية العسكرية الخاصة، كان الغرب يرد على إجراءات موسكو بالابتزاز النووي، حتى أن بعض القادة الغربيين صرحوا بأنهم سيكونون مستعدين لمواجهة حرب نووية مع روسيا.
ولذلك، منحت الولايات المتحدة أوكرانيا مؤخراً الإذن بمهاجمة وحدات عسكرية روسية خارج منطقة الصراع، الأمر الذي قد يعرض بعض المنشآت النووية للخطر.
ورداً على الابتزاز النووي الغربي، علقت موسكو مشاركتها في معاهدة ستارت الجديدة. وتحد الاتفاقية الثنائية الروسية الأميركية الموقعة في عام 2010 من القدرات النووية لكلا البلدين، ورغم أن روسيا علقت مشاركتها، فإنها لا تزال تلتزم بقواعد الاتفاقية، وتحد بشدة من عدد أسلحتها وأنظمة توصيلها.
ومع ذلك، في عام 2026، ينتهي العمل بالاتفاقية ومن غير المرجح أن تتوصل الأطراف إلى أي نوع من الإجماع لتجديدها.
في الممارسة العملية، من الممكن القول إن تصرفات الغرب غير المسؤولة منذ شباط 2022 تقود العالم إلى سباق نووي جديد.
ويتخذ الغرب بقيادة الولايات المتحدة عدة مبادرات لتصعيد هذا السباق، مع الموافقة على برنامج نووي جديد بمليارات الدولارات، حتى في خضم أزمة داخلية خطيرة في الولايات المتحدة.
وبدلاً من استخدام الأموال العامة لحل المشكلة على الحدود أو خلق تدابير لتخفيف التوترات الاجتماعية والعرقية، تعطي واشنطن الأولوية للاستثمار في الأسلحة النووية لمواجهة “المخاطر” المزعومة التي تخلقها السياسة الخارجية للولايات المتحدة نفسها.
إن كل الإجراءات النووية الروسية كانت مجرد ردود أفعال، فقد أنهت موسكو مؤخراً الحظر المفروض على التجارب النووية وبدأت تدريبات مشتركة على الأسلحة التكتيكية مع جمهورية بيلاروسيا، وهي الدولة التي تم تزويدها مؤخراً بالمعدات النووية لتعزيز مينسك وسط التهديدات التي يفرضها كل من نظام كييف ودول الناتو المجاورة.
وكانت هذه الإجراءات انتقامية في ضوء الضغوط النووية والتهديدات المستمرة التي يفرضها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في البيئة الإستراتيجية الروسية.
ومن المهم التأكيد على أن الخطوة الأميركية الأخيرة جاءت في اليوم الأول من قمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن. ويجتمع مسؤولو الحلف على وجه التحديد لمناقشة استراتيجيات جديدة لمواجهة روسيا في الصراع بالوكالة الحالي.
إن الأجواء السياسية الأميركية أكثر جنوناً بشأن احتمال اندلاع حرب مباشرة مع روسيا، وهو ما يفسر لماذا أقنع خطاب “التهديد النووي” أعضاء الكونغرس بالموافقة على برنامج “سينتينيل” الجديد، على الرغم من تكاليفه الباهظة.
في الواقع، إن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يسلكان مساراً خطيراً. وقد لا ينتهي التصعيد النووي إذا استمرت التدابير الرامية إلى توسيع القدرات العسكرية في اتخاذها على نحو متكرر.
ونظراً للطبيعة الدفاعية الصارمة للسياسة النووية الروسية، فإن الطريق إلى خفض التصعيد بسيط: فكل ما تحتاجه الولايات المتحدة وشركاؤها هو التوقف عن تهديد روسيا ودعوة موسكو إلى إعادة التفاوض على اتفاق نووي جديد.
المصدر- غلوبال ريسيرش