الملحق الثقافي- نادين معين أحمد:
الإبداعُ هو القدرة على خلقِ شيءٍ جديدٍ أو مُبتكَر؛ فالمبدعُ هو المدرك تماماً لحقيقةِ ومكنونِ الأشياءِ بمنظورٍ مختلف.
لكن هل يحظى المبدعون في بلدِنا بالمكانةِ الصحيحة بل هل يتّخذون الطريق الذي سيصلُ بهم إلى المكان الذي يستحقونُه، وهنا أتحدّث عن إبداعِ القلم بأيّ جنسٍ أدبيٍّ كان.
بدايةً يُقسَمُ المبدعون المُحدَثون إلى نوعين؛ نوعٌ يكتب بغرض البوح وتفريغ طاقة فكرية أو إنسانية وينتهي الأمر بهم هنا دون رغبة في الظهور أو النشر أو صعود المنابر؛ لأنّ الغاية الأولى والأخيرة لهم هي البوح مكتفين بآراءِ الأصدقاء المُقرَّبين من تشجيعٍ ونصح.
والنوع الآخر غايتُه البوحُ والنقدُ و تسليطُ الضوءِ على الزوايا التي لا يعيرُها الآخرون انتباهاً رغم أهميّتها؛ لهذا يسعون دائماً للوصول إلى أكبر عددٍ من القرّاء كي يصلوا بأفكارِهم إلى ميزةِ الكاتب أو الشاعر أو السينارست أو القاص والروائي.
لكن كيف يمكنُ للمبدعِ أن يصل؟
سؤالٌ في غايةِ الأهمية.
الكتابةُ لا تظهرُ فجأةً عند صاحبِها إذ لابُدّ من لبناتٍ قديمة حذاها هذا الكاتب إلى أن وصل إلى طباعة كتاب على سبيل المثال.
ولعلّ أكبر داعمٍ للمواهب الأدبية منذ الطفولة هو اتّحادُ شبيبةِ الثورة؛ هذا الاتحادُ الذي نشطَ منذ سنينَ عديدةٍ سواءً في المخيمات الأدبية والإعلامية الصيفية التي كان يقيمها سنوياً للمبدعين في صفوفه يُجري من خلالها دوراتٍ بكوادرَ إبداعيةٍ حيّةٍ أو بإقامته مسابقاتٍ قطريةٍ أو على مستوى الوطن العربي.
ولكن في ظلّ الظروف الراهنة وبسبب الأزمة فقد قلّتْ هذه الأنشطةُ الفكرية.
وربّما كان البديلُ لذلك مسابقاتِ روّادِ طلائع البعث التي تقتصر على الأعمار الصغيرة من الطلبة المبدعين.
فقد أصبح توجيه الاهتمام إلى القراءة من خلال ماراتون القراءة السنوي الذي تجريه وزارة التربية بالتعاون مع وزارة الثقافة و لعلَّه الأهم من صقل كاتب؛ لأنَّ القارئ لصنوف عدّة من الكتب قد يصبح كاتباً إن امتلك الموهبة فهو يصقل موهبتَه ذاتيّاً من خلال المطالعة.
إنّ وصولَ المبدعِ في بعض الأحيان أمرٌ في غايةِ الصعوبة بسبب كثير من المعوقات التي يواجهها لعلّ أولها هو الاهتمام بالمبدعين الذين أثبتوا وجودَهم خلال عقود مضت؛ فهم الأدباء الذين حصلوا على اسمهم بعدد الكتب التي أنجزوها؛ رغم أنّ المبدعَ لا يقاس إبداعُه بعدد كتبِه أو بعدد المرات التي صعد بها إلى المنابر، ففي كثيرٍ من الأحيان يصادفُنا نصُّ لمبدعٍ مغمورٍ يعادلُ بجمالِه كلَّ ما قرأناه لأدباءٍ معروفين في عالم الكتابة.
لكي يصلَ المبدعون يجب أن يساندُهم مبدعون سبقوهم، لكن قد يحدث أن يقيّمَ مبدعٌ قديمٌ مبدعاً لاحِقاً بنَفَس المتعالي والمنتقد وهذا نراه كثيراً حتى في أضيق الزوايا.
فعلى سبيل المثال ومنذ عشرين عاماً أو أكثر قامت طالبة في المرحلة الإعدادية بإطلاع أستاذِها لمادة اللغة العربية و الذي تجلُّ وتقدّر على نصٍّ أدبيٍّ لها رغبَت أن تشاركَ به في مسابقة أدبية فأخبرها أستاذها رأيَه بكلِّ صرامة على أن النصَّ رديءٌ ولا يستحقُّ أن تشاركَ به فصُدِمَتْ لأنّها رأت نصها غيرَ ذلك مقرّرةً المشاركةَ به في المسابقة والنتيجةُ أنها حصلت على المرتبة الأولى دون منازع..
إذاً ما المشكلة التي حدثت؟
من نصٍّ رديء إلى نصٍّ حصل على المرتبة الأولى.
لنسلِّمْ مقتنعينَ أنَّ اختلافَ الآراءِ أمرٌ ضروريُّ بل هو حالةٌ طبيعية جداً؛ لكنّ الغريبَ هو المسافة الفكرية الكبيرة والمتباعدة بين الآراء لدرجة التباين.
أعتقدُ أنّ الكاتبَ عليه أن يؤمن بنفسه ككاتب، ويسعى في المكان الذي يقدِّرُه ويقدِّرُ إبداعَه وهذا يكون في الرعيل الأول للكتّاب والمبدعين وهو اتّحادُ الكتاب العرب؛ فقد توسّع نشاط الاتحاد وازدادَ اهتمامُه بالأدباءِ المستجدّين (إن صحّ التعبير) في السنين الثلاث الأخيرة وقد بدا ذلك واضحاً من خلال الأنشطة الفكرية التي يجريها أو من خلال موافقته على مخطوطاتٍ كانت شبهَ منسيّةٍ من قبلِ أصحابِها وسعيِه في إنجازها حاملاً مسؤولية الطباعة والنشر نازعاً عن كاهل الكاتب أو المبدع مشقّة وعناء الطباعة في دور النشر الخاصة بكُلَفِها الباهظة.
ولكن لعلَّ أصعبَ وصولٍ يكون هو وصولُ السيناريست المُحدَث لأنّه قد يتعرّضُ للسرقة الفكرية إن لم يكن فطناً لذلك..
فمازلنا نسمعُ عن فلانٍ من الناس قد سُرِقَ منتوجُه الفكري من قبل شركة إنتاج خاصّة بعد أن رفضت عملَه واعتبرتْه لا يرقى كي يكون نصّاً لسيناريو دقيق..
وتتوالى تلك الحوادث..ربّما لأنّ لعالمِ الدراما خصوصيّتُه؛ فأيُّ عملٍ يخضع لتقييمٍ من جهة خاصّة قد لا يحصل على التقييمِ الصحيح.
العدد 1198 – 23 -7-2024