كتب المحرر السياسي ناصر منذر:
على مدار تاريخ شعبها النضالي، حققت سورية – ولم تزل- انتصارات عظيمة أذهلت العالم، ومعركة ميسلون التي نحتفي اليوم بذكراها الرابعة بعد المئة، تشكل إحدى أهم المحطات النضالية البارزة في القرن العشرين، والأجيال التي عرفت معنى هذه المعركة ضد المحتل الفرنسي، خلدتها حية في نفوسها لإنجازاتها العظيمة برجالها الأبطال الذين أعطوا المحتل الفرنسي دروساً في التضحية والفداء، رغم أنها كانت محسومة النتائج لمصلحة العدو المجهز بأحدث الوسائل العسكرية.
في الرابع والعشرين من تموز من كل عام تستوقفنا ذكرى هذه المعركة المجيدة التي جسد فيها البطل يوسف العظمة ورفاقه الأبطال قيم البطولة والاباء ومناقب التضحية والفداء، إذ جسد قرار الشهيد يوسف العظمة مع ثلة من رفاقه الأبطال بخوض معركة غير متوازنة في موازين الحسابات العسكرية، علامة فارقة ومفصلاً مهماً في مسيرة الكفاح والمقاومة ضد المستعمر الفرنسي الغاشم، فرغم أن المعركة لم تكن متوازنة في العدد والعديد مع القوات الغازية، إلا أنها جعلت الجنرال غورو يدرك تماما أنه لا يمكن كسر إرادة الشعب السوري، حيث تحولت معركة ميسلون إلى شرارة أشعلت المقاومة في وجه المحتل الفرنسي في كل أرجاء سورية لتحقيق جلاء المستعمر الفرنسي عن بلادنا عام 1946بعد نضال طويل ومشرف.
على مر التاريخ، لم يرضخ السوريون لإملاءات المستعمرين الغزاة، وهذا ما حصل أيضا عام 1920 حين رفض الشعب السوري إنذار غورو الشهير الذي حاول من خلاله فرض الانتداب على الشعب السوري وحل الجيش الوطني، وعلى أثرها قام وزير الحربية يوسف العظمة ورفاقه، والمتطوعون بمواجهة هذا الإنذار بكل بسالة وشجاعة واتجهوا إلى ميسلون لمجابهة القوات الفرنسية الغازية التي تحركت باتجاه دمشق رغم معرفة البطل العظمة بعدم تكافؤ القوى مع المستعمر الفرنسي المدجج بأعتى أنواع الأسلحة حيث أسفرت المعركة عن استشهاد البطل العظمة وعدد كبير من المقاتلين بعد أن سطروا أروع ملاحم البطولة.
معركة ميسلون، أثبتت أن إرادة التحرير تفوق أي اعتبار، وأن محبة الوطن تسمو وترتقي كلما ازداد الخطر، وأكدت أن سياج الوطن محمي بالرجال الأبطال، وأن أعلى القيم القتالية هي حب الشهادة والاستشهاد في سبيل الوطن، وذاكرتنا الوطنية لا يمكن أن تنسى رجال الثورة الكبار الذين يأتي في مقدمتهم يوسف العظمة، الاسم الذي يذكره الجميع بكثير من الفخار لأنه جدير بالخلود.
السوريون يجددن اليوم، وكل يوم، تمسكهم بإرث آبائهم وأجدادهم، والسير على نهجهم في الدفاع عن وطنهم، والوقوف مع جيشهم الباسل الذي سطر أروع البطولات والتضحيات في مواجهة التنظيمات الإرهابية المدعومة أميركيا وغربيا وصهيونيا، مستلهمين من أسلافهم أبطال ميسلون، العزيمة والإرادة وروح الانتصار، فمعركة ميسلون كانت وقفة عز وشموخ، أثبتت أن المقاومة تعد الأسلوب الوحيد والأنجع في مواجهة المحتل، وأن السوريين لا يمكن أن يتخلوا عن إرادتهم الوطنية وتمسكهم باستقلالهم ووحدة أراضيهم وحريتهم، أو ينصاعوا لإرادة الغازي المحتل.