مما لا شكّ فيه أن سورية غنية بتراثها، وأن تراث الإنسان هو ما يحدد هويته، لأن التراث بشقيه المادي واللا مادي يشكلان توءمي الهوية الوطنية وأساس مكوناتها الثقافية، فالتراث المادي يتجسد في الآثار والعمران والشوارع والمتاحف، في حين أن التراث اللامادي يتوارثه الأبناء والأحفاد عن الآباء والأجداد، وهو يتصل بالمخزون الفكري والإبداعي للشعوب، ويشمل التقاليد وأشكال التعبير الشفهي كالأمثال الشعبية والعادات، وكذلك الفولكور الشعبي كالأهازيج والرقص والدبكة والمولوية والغناء والموسيقى والأساطير والسير الشعبية والحكايات وكذلك المهارات المرتبطة بالحرف التقليدية.
ولأن الأغاني التراثية أكثر مواد التراث انتشاراً، فهي توثق جزءاً من تاريخ وعادات الشعوب، فهي الفلكلور الذي يعبر من خلاله الناس عن أفراحهم وأحزانهم وعاداتهم وتقاليدهم والقيم الحميدة التي توارثتها الأجيال، كذلك تشكل الكلمة ركناً أساسياً في هذه الأغنية.
من هذا المنطلق أقامت منذ أيام مديرية المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة مهرجان الأغنية التراثية في قصر العظم بدمشق، ليعيش الجمهور السوري على مدى ثلاثة أيام مع أمسيات غنائية من أقصى الجنوب بتراثيّ مدينتي السويداء ودرعا، مروراً بتراث منطقة القلمون، ووصولاً إلى الشمال، ونهاية عند تراث مدينة حلب.
هذا المهرجان جزء من استراتيجية تسير عليها وزارة الثقافة للحفاظ على التراث السوري منذ سنوات، وقد جاء ليؤكد أهمية حفظ الأغاني التراثية السورية لتكون جسراً رابطاً بين الماضي والحاضر، وإلى تطور الإبداع البشري على أرض سورية التي ولدت منها الأبجدية والحرف والنوتة الموسيقية واللون والزجاج الدمشقي والعطر الشامي والبروكار الدمشقي.
اليوم وكل يوم نؤكد على إقامة مثل هذه المهرجانات التي تحمل دلالات كبيرة وإشارات عن عملية البحث عن الإبداع ونشره لإيماننا ويقيننا أن الثقافة هي جزء لا يتجزأ من التراث الحضاري للأمة.. إذ لا هوية إبداعية بلا ثقافة، ولا ثقافة إبداعية بلا هوية.