الملحق الثقافي – غسان شمة:
مقولة عربية قديمة أثارت الكثير من الجدل على مستوى مقاربة «الصدق والكذب» بطابعهما الأخلاقي في سياق الكتابة الشعرية، وتالياً يمكن القول على صعيد الفن بأشكاله المختلفة.. وقديماً أيضاً كانت ربات الشعر، أو ملهمات الشعر، عند اليونان يرددن: «البارعات نحن في فن قول الأكاذيب»، وربما نجد مثيلاً لذلك في آداب أو كتابات شعوب أخرى في العالم القديم أو الجديد..فهل كانت هذه «الأكذوبة الجميلة» قاسماً مشتركاً للفن والإبداع على مر العصور أم أنها كانت غواية أثيرة لفن القول؟.
وإذا مضينا في ركاب تلك المقولة، وتحت ظلال الشعر، كأحد روافد الإبداع الفكري والفني في التاريخ البشري، فإنه من الطبيعي أن يكون رافداً لذلك، كما يشير الكثيرون، هو الحديث عن قوة الخيال وخصبه، ومن ثم القدرة على إلباس هذا الخيال ثوباً من اللغة الشعرية والشاعرية تلهب روح المتلقي وقلبه، كما سمعه، بقدرتها البنائية المتماسكة وجمالياتها الباذخة القادرة على الأخذ بالألباب، على الرغم من المبالغة الواضحة لكن المنساقة في طلاوة من اللغة والتصوير الذي يفتح للخيال نوافذ عدة..
بالطبع هناك الكثير من الأدباء والكتاب والنقاد ممن رأى في ذلك منقصة بحق الفن والإبداع وأشار إلى ذلك بشكل واضح، ورأى بعضهم في الالتزام والحقيقة والواقعية ضرباً من الصدق مع الذات، وهو أمر لا يمكن نكرانه، لكن ربما نحن اليوم على قارعة واقع يتماهى مع أية «أكذوبة» على مستوى الخيال الفني كشيء من حلم بعيد المنال قد يلجأ إليه المبدع هرباً إلى حلم إنساني بات يتسرب في أمداء الواقع أمام عجز إنساني كبير، وإحباط يتدحرج ككرة الثلج في ظل من عدم اليقين الذي ينسحب على كل شيء تقريباً..!!
هل نحن بحاجة لأكاذيب من هذا النوع لنضفي شيئاً من الأمل والوهم على أيام وسنوات تمضي كما لو أنها الكذب نفسه؟!.
العدد 1202 – 27 -8-2024