إدغار موران: الحب والفضول يسمحان بالمحافظة على الشباب في الشيخوخة

الملحق الثقافي:

ربما هو آخر عمالقة الفكر مع نعوم تشومسكي مواقفه الفكرية قد لا تخلو من تأثر بما تروجه الدعاية الغربية ..لكنه في المحصلة يبحث أو لنقل استطاع أن يحفر مجرى خاصاً به وهو صاحب كتاب الخروج من القرن العشرين. الأوساط الإعلامية الغربية مازالت تتابع هذا المفكر وتجري معه الحوارات المهمة ولاسيما بعد عامه الثالث بعد المئة من هذا الحوار الطويل الذي أجراه جان فرونسوا دورتييه وسامويل لاكروا و ترجمه إلى العربية : يوسف اسحيردة من هذا الحوار نقتطف التالي : ليس سهلاً إجراء حوار مع مُفكر جاوز المئة سنة، ومع ذلك فقد قَبِل إدغار موران زيارة مجلتنا والإجابة عن بعض أسئلتنا. أسئلة يتقاطع فيها الأنثروبولوجي بالاجتماعي، بالفلسفي، بالسياسي، وهي عينها المجالات التي استرعت اهتمام موران طوال مساره الحياتي والفكري. هذا دون نسيان موقفه من بعض الأحداث الراهنة، وعلى رأسها الحرب على غزة. حوار شائق مع مُفكر مُغامر. اليوم في عامكم الثالث بعد المئة، كيف حالكم؟ أنا فريسة لبعض الآلام الجسدية، لكن الذهنية صامدة! لماذا أنتم مِئوي؟ آه لو كُنت أعلم! لا أملك سوى فرضيتين: فقد حافظت على كل طموحاتي، وعلى كل أنشطتي الفكرية، وعلى كل حبي لروائع الحياة واشمئزازي من وَحْشِيَاتِهَا. فَقَدْتُ الكثير من الأحباء لكن يَتَبَقَّى لي بعضهم. الصداقة وخاصة الحب، الحاضران دائماً، يَصُونان حياتي. قَلَّمَا كانت لَدَيَّ ضغائن، أو غَيْرَات، أو مطامح باستثناء تمني أن تُنشر كُتبي وتُقرأ. هذا منعني من الضمور مع التقدم في العمر. أعتقد، في الحقيقة، أن الحب والفضول، اللذين حركاني طوال حياتي، يسمحان لي اليوم بالمُحافظة على الشباب في الشيخوخة. أُضِيف، وهذا مهم، أنِّي عَانَيْتُ في وقت متأخر من مرضين خطيرين أنقذتني يقظة زوجتي منهما. الطبيب النسائي الذي قام بتوليد أمي أنقذني من الولادة مَيّتا؛ صَبَاح (زوجتي) أنقذتني من الموت في السنوات الأخيرة. مُرُونتي لوحدها لم تكن كافية؛ كان ضرورياً في كل مرة أن يتدخل شخص آخر لإنقاذي. خلال حياتكم، نَشَرْتُم من الكتب ما يفوق عدد سنوات عمركم. وَاحِدٌ من الأسئلة الكبرى الذي يعبر أعمالكم هو معرفة ما هو الكائن البشري. هل توصلتم إلى جواب؟ لقد كَتَبْتُ، في الواقع، نحو عشرين كتاباً مُهِمَّاً في نظري. معرفة الإنسان حاضرة دائماً بالنسبة لي كموضوع مُزدوج للاشتغال وللتفكير. من جهة، لم أتوقف عن مُسَاءلة المعرفة الإنسانية، واعياً بالأخطاء العديدة التي تجرها معها هذه الأخيرة (أخطاء الإدراك، والتواصل، والأيديولوجيا، الخ.)،في ما دعوته بمعرفة المعرفة. من جهة أخرى، منذ ندوة رويومونت حول «وحدة الإنسان» لسنة 1972، كُنت قد أدركت أنه لا ينبغي فصل الإنسان البيولوجي عن الإنسان الثقافي، ثم إنها العلاقة طبيعة-ثقافة ما استوقفني، الشيء نفسه عن الحيوانية المُتأصلة فيما فوق حيوانية الإنسان. لم يكن ذلك سوى تمهيد، بما أني قد طورت بشكل أدق تصوري للإنسان في المجلد الخامس من «المنهج»، المَوْسُوم بـ»انسانية الإنسانية»، الصادر في 2001. أُعَرِّفُ الإنسان ثَالُوثِيا بصفته نوعاً بيولوجياً، وحيواناً اجتماعياً، وفرداً مُتفرِّداً. ولا بُعد من أبعاد الثالوث نوع-مجتمع-فرد يُمكن فصله عن البقية، بما أن كل اصطلاح، تم إنجابه من طرف اصطلاح آخر، يُنجب بدوره هذا الاصطلاح. الأفراد المُنْجَبِون يُنْجِبُون بدورهم أفراداً. الشيء نفسه عن المجتمع، فهو يرى النور بفضل التفاعلات المُنَظِّمَةَ بين الأفراد ويجعل منهم كائنات كاملة الإنسانية من خلال منحهم اللغة والثقافة. في واحد من مؤلفاتكم الأولى «الإنسان والموت» (1951)، تَلْفِتُونَ النظر مسبقاً إلى طبيعة ثنائية للبشر: الإنسان، بصفته حيواناً، فهو كائن حي لكنه أيضاً حيوان واسع الخيال يسعى إلى نفي وضعه البيولوجي. هل هو أولاً شكل من الالتباس الذي يُثير اهتمامكم عِنده؟ إن نفي وضعنا البيولوجي هو أمر حضاري. نحن في حضارة يطبعها التوراة حيث الله خلق الإنسان على صورته، وبالتالي مُختلف بشكل جذري عن الحيوانات. علاوة على ذلك فقد اتسمت حداثتنا بفصل ديكارتي بين الإنسان المُتَمَتِّع بعقل والحيوان (آلة محضة). ثم جاءت الحضارة الصناعية، سواء أكانت رأسمالية أم سوفياتية، لتُتلف المحيط الحيوي بكافة أشكال التخريب والتلويث، واضعةً إيانا في مواجهة مُشكلة كبيرة يُمثلها الحفاظ على الكوكب. عبثا حاولنا مَعْرِفة داروين، فنحن نُواصل حَجْبَ طبيعتنا الإنسانية المُنغمسة في الطبيعة الحَيَّة. أما بخصوص هذا الاهتمام بالطبيعة المُتعددة للإنسان، فيُمكن ملاحظة قيامي بِتَعْقِيد مفهوم الفرد: هذا، باحتوائه على كل إمكانيات العقل والجنون في الآن ذاته، فإنه إنسان عاقل بقدر ما هو إنسان مجنون.
(يبدو لي أن مشكلة الإنسان الكبيرة تَكْمُن في العلاقة عقل/عاطفة التي يجب جَدْلَنَتُهَا دون توقف: لا عاطفة دون مصباح يُمثله العقل؛ لا عقل دون عاطفة (إضافة إلى أن العقل المحض نفسه غير معقول بسبب تجريده). لقد قٌمت أيضا بالتفريق بين الإنسان الصانع، صانع الأدوات، التقني، والإنسان صانع الأديان أو الأساطير، الإنسان الذي لا يُمكنه الاستغناء عن الأديان أو الأساطير. كذلك مَيَّزْتُ بين الإنسان الاقتصادي، الذي لا يبحث سوى عن مصلحته الشخصية، والإنسان ذي الأنشطة المجانية الكريمة أو اللاَّهِيَة. أخيرا، أردت تطوير معنى مقولة هرقليطس: «مستيقظون، ينامون». فنحن أشباه مُشَاة أثناء النوم، بِنا مسُّ من القوى التي تجعلنا نعيش وتستثير نوازعنا. إننا نملك داخل وعينا الكثير من اللاوعي، وهذا ما يستكمل التعقيد البشري ويجعل مِنَّا كائنات تراجيدية-كوميدية. علاوة على الإنسان، هَوَسُكُم الكبير إذن هو الموت. فقد واجهتموه مُبكراً، بما أنكم وُلدتم ميتاً وفقدتم والدتكم في سن العاشرة، حدث مَرِضْتَ جداً في أعقابه نعم، لا أحد قبلي سبق له دراسة سلوك ومُعتقدات الإنسان أمام الموت من وجهة نظر المجتمعات والحضارات والتاريخ. الموضوع قد مَسَّنِي فعلاً عن قرب بحكم الأحداث التي أشرتم إليها. هناك أيضاً فترة الاحتلال والمقاومة، حيث كِدتُ في ثلاث مرات أتعرض للاعتقال من طرف الغيستابو. أعمام تم ترحيلهم وقتلهم؛ رفاق في المقاومة تم تعذيبهم وماتوا في السجن أو الترحيل. لقد أصبحتُ مُقاوما بِتجاوز خوفي الخاص من الموت في سن العشرين. مَثَّلْتُم منذ سنة 1956، من خلال أعمال من قبيل «نقذ ذاتي» و»صُلب الموضوع» وعديد اليوميات التي نَشَرتُم، ما كان غير مألوف وحتى مُدَان في ذلك الوقت من طرف العلوم الإنسانية. كيف تقترن هذه الذاتية المُتَبَنَّاة بطريقتكم في فهم الكائن الإنساني؟ واحدة من مقولاتي المأثورة هي: لا معرفة من دون معرفة ذاتية. من أوجه قصور العلم الكلاسيكي إقصاؤه لمفهوم الـ»ذات» ولحقيقة أن الباحثين يُمثلون مواضيع إنسانية، الأمر الذي بَيَّنه الفيلسوف إيدموند هوسرل في سنوات 1930 في كتابه «أزمة العلوم الأوروبية». الكثير من علماء الاجتماع، بعدم قدرتهم على المراجعة والنقد الذاتين، كأنهم على عرش أعلى من العالم الإنساني الذي ينتمون إليه. لقد أنجزت تعريفاً لمفهوم الـ»الذات»: إنه وضع المرء نفسه في مركز عالمه، ما ينجم عنه مركزية يتعذر تخطيها ونزوع نحو تغذية النفس والدفاع عنها. غير أن هذه المركزية تتسم، على النقيض، بميل نحو حب الآخر، ونحو البحث عن الوحدة والجماعة، الحب والأخوة. وهكذا نحصل-وخاصة في حضارتنا التي دَمَّرَت العديد من أشكال التضامن-على أفراد تغلب عليهم الأنانية، لكن نحصل أيضا على الكُرماء والمُحِبِّين.
العدد 1202 – 27 -8-2024

آخر الأخبار
الخارجية ترحب بمبادرة قطر: خطوة حاسمة لتلبية الاحتياجات الملحة للطاقة في سوريا الدكتور الشرع: تفعيل اختصاصات الصحة العامة والنظم الصحية للارتقاء بالقطاع وصول الغاز الطبيعي إلى محطة دير علي.. الوزير شقروق: المبادرة القطرية ستزيد ساعات التغذية الكهربائية مرحلة جديدة تقوم على القانون والمؤسسات.. الشرع يوقِّع مسودة الإعلان الدستوري ويشكل مجلساً للأمن القو... الرئيس الشرع يوقِّع مسودة الإعلان الدستوري تاريخ جديد لسوريا وفاتحة خير للشعب غياب ضوابط الأسعار بدرعا.. وتشكيلة سلعية كبيرة تقابل بضعف القدرة الشرائية ما بعد الاتفاق.. إعادة لهيكلة الاقتصاد نقطة تحول.. شرق الفرات قد يغير الاقتصاد السوري نجاح اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية.. ماذا يعني اقتصادياً؟ موائد السوريين في أيام (المرق) "حرستا الخير".. مطبخ موحد وفرق تطوعية لتوزيع وجبات الإفطار انتهاء العملية العسكرية في الساحل ضد فلول النظام البائد..  ووزارة الدفاع تعلن خططها المستقبلية AP News : دول الجوار السوري تدعو إلى رفع العقوبات والمصالحة فيدان: محاولات لإخراج السياسة السورية عن مسارها عبر استفزاز متعمد  دول جوار سوريا تجتمع في عمان.. ما أهم الملفات الحاضرة؟ "مؤثر التطوعي".. 100 وجبة إفطار يومياً في قطنا الرئيس الشرع: لن يبقى سلاح منفلت والدولة ضامنة للسلم الأهلي الشيباني يؤكد بدء التخطيط للتخلص من بقايا "الكيميائي": تحقيق العدالة للضحايا هدوء حذر وعودة تدريجية لأسواق الصنمين The NewArab: الشرع يطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للانسحاب من جنوب سوريا