الثورة-ديب علي حسن:
كان يمكن أن يكون العنوان أمام بعض الوقائع التي نسمع بها (المال وامتهان الثقافة)، ولكن ترى هل كل مال يفعل ذلك بالتأكيد: لا.. المال قوة، وقوة لابد منها، وأكذوبة أنه كما نردد (وسخ الدنيا) لا معنى لها، ولكنه ليس الغاية ولا تكديسه بالمليارات الهدف، إنه وقود العمل الاجتماعي والاقتصادي، ولهذا كانوا يرددون الفقر في الوطن غربة.. مع أننا كنا ومازلنا فقراء لكننا لم نشعر أننا غرباء في وطننا إلا مع بعض التصرفات الاستهلاكية التي يقوم بها بعض أثرياء الغفلة ممن جاءتهم الثروة دون عمل.
ونستذكر هنا القول الشعبي: (درهم مال يحتاج قنطار عقل)، وكما السلاح بيد الجاهل الأحمق يفتك ويقتل كذلك من لا يعرف كيف يستثمر أو يدير المال أو الثروة، حدثان وقعا في الفترة الماضية دلا على الكثير من التراجع في التفكير والقيم عند البعض الذين يظنون أن المال قادر على شراء كل شيء وتعويض النقص الحاصل لدى بعضهم، الآثار والتراث والقلاع ليست حجارة عابرة في زمن المال.. قلعة حلب كانت وستبقى الثغر الذي صد الروم عن الأمة العربية، مازال سيف الدولة الحمداني شامخاً يصول ويجول وملء المكان صوت المتنبي وأبي فراس والأصفهاني وغيرهم، وفي قلعة دمشق يمتشق صلاح الدين سيفه وهي هوية أرض الشام الطبيعية كلها، في العالم كله تنفق الأموال وتخصص من قبل البعض لتمويل دراسات وأبحاث وإنجاز أعمال أدبية وإنفاق على مشاريع ثقافية وجمالية كمشاركة من أصحاب رؤوس الأموال في صناعة الجمال والإبداع، تمنيت في سورية لو أن صاحب رأس مال كان رجلاً أم مؤسسات قد خصصت ولو مساعدة لإنجاز عمل ثقافي أو مولته.
رأس المال السوري مقصر جداً في هذا المنحى.. ستجد من يقيم الحفلات المترفة وينفق المليارات عليها ولكنه يبخل بل يحجم عن دعم أي مشروع فكري أو ثقافي، لن نسترسل كثيراً في الحديث عما يمكن فعله في هذا المنحى، وما يمكن أن يحققه هذا الدعم لو كان لجيل من المبدعين أو مراكز الدراسات أو غيرها، أما من يدعي أن مبالغ مالية ضخمة قد دخلت الخزينة من جراء استخدام مرفق تراثي في غير الاتجاه الصحيح فهنا الطامة الكبرى لدى هؤلاء ..نعم قد تدخل مليارات ولكنها من دون جدوى لأنها ببساطة ليست ناتجة عن إنجاز فعلي في زراعة أو صناعة أو غير ذلك أنها أموال ريعية سريعة تتبخر بلحظات، نحن اليوم بحاجة إلى وعي أكثر عمقاً، ولاسيما عند من يكدسون المال ويظنون أنهم قادرون به على فعل شيء.. الوطن أسمى وأعلى وأغنى مبارك لكم مالكم أنفقوه حيث أردتم إلا على ما يستفز الناس ولا شيء يستفزهم كما محاولة قولكم وفعلكم أنكم تريدون شراء حتى تاريخه.
