الثورة-رفاه الدروبي:
يفتقد الاحتلال الإسرائيلي إلى تاريخ يربطه بالأرض ليثبت أكاذيبه في ملكيته لها ووجوده عليها منذ أزمان غابرة، لذلك سعى لسرقة الثوب الفلسطيني وزخارفه ليوهم العالم بأنَّه تراكم حصيلة تاريخه وماضيه المرتبط بينه وبين الأرض، فعمد لعدة ممارسات منها: تسجيل ثوب عروس بيت لحم المعروف باسم ثوب الملكة في المجلد الرابع من الموسوعة العالمية باسمه، ويعدّ الثوب من أجمل الأثواب الفلسطينية، ويتميز بغطاء الرأس المُسمَّى الشطوة، وعليها القطع النقدية الفضية أو الذهبية.
قرصنة للملبس الفلسطيني
كلمات بليغة صدرت عن حارسة التراث الفلسطيني الدكتورة نجلاء الخضراء للمحافظة على التاريخ والهوية من عبث الغرباء، وذكرت بأنَّ شركة طيران الكيان الإسرائيلي «العال» لجأت إلى إلباس مضيفاتها الثوب الفلسطيني الفلاحي على متن طائراتها باعتبار أنَّه شيء من التراث اليهودي، كما سعى الكيان الإسرائيلي إلى الاستحواذ على الأثواب الفلسطينية القديمة المزركشة، لأرشفتها في الموسوعات العلمية وعرضها في المعارض العالمية على أنَّها تراثه في قرصنة واضحة للملبس الفلسطيني التقليدي الكامل، وأدخلته في خطوط الموضة كي يرسله كتصاميم إلى بيوت “الأزياء العصرية الإسرائيلية”، لتضمها إلى تراثهم المزعوم، ويعرض على أنَّه آثار العبريين القدماء، كما عمد المصمِّمان “الإسرائيليان” «جابي بن جايم، وموكي هرئيل» تصميم الكوفية الفلسطينية المعروفة، وجعلوها بألوان علم الاحتلال “ونجمة داود”، وتتعمد الشخصيات الصهيونية الظهور بلباس فلسطيني في المحافل الدولية ليمحنوا صورتهم عمقاً تاريخياً .
طمس الهوية
ثم أوضحت الباحثة الخضراء أنَّ آخر مساعي الاحتلال لسرقة التراث الفلسطيني ما روّج له عبر عارضات الأزياء العالميات، اللواتي ارتدين الزي الفلسطيني على أنَّه تراث للاحتلال في مسابقة ملكة جمال الكون، وعمدت الحركة الصهيونية والاحتلال إلى سرقة التراث عن طريق تشويه الأزياء الشعبية الفلسطينية، وإدخال وحدات زخرفية جديدة، وإنشاء مشاغل للتطريز بغرض طمس الهوية الفلسطينية والتشويش عليها، والمشاركة بعروض أزياء عالمية والادعاء بملكيتها لتلك الأزياء، وشراء المطرزات القديمة، والتخلُّص منها، وضمان عدم بقاء أي أثر لها وتحريف الشكل العام للثوب بتحويل أماكن الزخارف، وبالرغم من ذلك بقي التراث الفلسطيني صامداً عصياً عن الاندثار والانكسار.
حماية التطريز الفلسطيني
الدكتورة نجلاء أشارت إلى أنَّ التطريز يُمثِّل فلسطين بجبالها، وسهولها، ووديانها، فرسمتها النساء، وحملتها على أثوابهن في داخل فلسطين، ومخيمات اللجوء. ورغم التطور المتسارع وصيحات الموضة المُقدِّمَة جديداً كلَّ يوم بحيث تبتعد عن الماضي، إلا أن النسوة الفلسطينيات حرصن على التمسك بتراثهم، وبشعبية عاداتهم وفنونهم حتى استطاعوا الوقوف في وجه حملات التهويد، والسياسات الصهيونية الهادفة لاقتلاع الثقافة الفلسطينية، بل انعكست تلك الظروف السياسية والاجتماعية وما مرَّ من أحداث فلسطينية على الثوب الفلسطيني كونه يُمثِّل واحداً من مجموع هوية الشعب، وطوَّرت من زخارفه فبرزت وحدات زخرفية جديدة تحمل علم فلسطين وأسماء مدنها وطرقها وخريطتها، وكذلك القرى المدمرة، وظهر ما سمِّي بثوب الانتفاضة 1987م .
ويُشكِّل توثيق العنصر ذاته، والبحث في ثناياه ضرورةً وتحدياً، فبالرغم من كلِّ الجهود في المحافظة على الفن والتطريز الفلسطيني إلا أنَّ هناك أثواباً اندثرت دون أن يتمَّ توثيقها، وتصنيفها ودراستها، لذلك فإنَّ توثيق القطع، وتصنيفها، ودراستها بتفاصيلها، وخصوصيتها ودلالاتها والسرديات المتناقلة حولها، يعمل بشكل مؤكد على الحفاظ على الفن الشعبي التراثي عينه، بعد أن كان الاهتمام بفنه اهتمام عملي، وانتقال القصص مع الأثواب عن دلالات الرموز، وأساليب توزيعها على الثوب بشكل شفهي من جيل إلى جيل، هناك الكثير من الدراسات سجلت طرق وأساليب التطريز وأنواع الزخارف دون التطرق إلى الخصوصيات والسرديات والدراسات التاريخية.
الوعي الثقافي
وانتقلت خلال حديثها إلى أنَّه نوع من معركة الذاكرة والاهتمام بالتراث والوعي الثقافي، فقررت مجموعة من الشباب عام 2014 اعتبار يوم 25 تموز من كل عام يوم للزي الفلسطيني؛ ليوجهوا رسالة قوية لكيان الاحتلال لمحاولته بكلِّ الطرق تجريد الفلسطيني حتى من لباسه التقليدي، وسرقته كما سرقت الأرض وهجَّرواأصحابها.وكان ظهور عضو الكونغرس الأمريكي الفلسطينية الأصل «رشيدة طليب» بالثوب الفلسطيني المطرَّز بعيد فوزها بالانتخابات إعادة لقضية الثوب الفلسطيني، كما نشر الموقع الرسمي لوكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» صورة العالمية الفلسطينية نجود ميرانسي ترتدي التطريز الفلسطيني داخل وكالة ناسا، وعلَّق الموقع قائلاً: «فلسطينية ناسا والفضائية المهندسة نجود ميرانسي ترتدي اللباس التقليدي الفلسطيني في مقر الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضائية». بينما نجح الفلسطينيون في إدخال ثوب بلادهم المطرَّز في مجموعة غينيس للأرقام القياسية عام 2007م عبر ثوب عملاق يعتبر الأكبر من نوعه. استغرق إنجازه ثلاثة أشهر، وتجاوزت تكلفته أربعين ألف دولار.
ختمت باحثة التراث الفلسطيني حديثها: إنَّ توقيع فلسطين عام 2011 على اتفاقية 2003 للعناية بصون التراث، وحماية التراث الثقافي اللامادي أتاح الفرصة أمامها لتسجيل عناصر تراثها ضمن القائمة التمثيلية للتراث العالمي، وكان عنصر التطريز رابع عنصر يدرج على لوائح التراث العالمي إلى جانب الحكاية الفلسطينية عام 2008، ونخيل التمر «معارف وتقاليد» عام 2019، والخط العربي عام 2021م، وعملت وزارة الثقافة الفلسطينية على مدى عامين على تسجيل فن التطريز بدعم سدنة التراث الفلسطيني في الداخل والخارج عبر إرفاق كلِّ الوثائق الدالة على فلسطينيته منذ آلاف السنين، والتسجيل العالمي للزي سيواجه سرقة التراث والتاريخ والهوية الفلسطينية مَنْ يستبيحه الكيان الصهيوني، وعلى المؤسسات والمنظمات الدولية الوقوف أمام مسؤولياتها في احترام القرارات الدولية، وعدم التعاطي مع بطش الاحتلال، ومحاولته سرقة التراث الفلسطيني وقرار اليونسكو الجديد يوم الأربعاء 15 كانون الاول 2021م.