حلب.. حكاية العطاء والانتماء والإبداع.. كلما رحبت بنا الروض قلنا ..حلب قصدنا وأنت السبيل

الثورة- عمار النعمة:
هي المدينة الساحرة المختلفة بمبانيها التاريخية، ونوع الحجارة، وطبيعة مناخها، ولون خضرة أشجارها، مدينة الجمال والذوق الرفيع التي خلفها التفاعل الحضاري لإنسان هذه المدينة الخالدة، هي التي تقع على مفترق طرق تجارية متعددة منذ الألف الثاني قبل الميلاد، أتاها من كل حدب وصوب جحافل الغزاة على مر العصور من مغول وتتار وآخرين من قبل ومن بعد، حملوا إليها الدمار، فقاومت وصبرت وانتصرت وما كان على هذه المدينة المعتقة بعطر التاريخ إلا الاستمرار في إرادة الحياة والتفتح كزهرة ترتوي بماء الخلود.
إنها حلب مدينة المدن والجمال والسحر والإبداع والفن والموسيقا، مدينة المتنبي، وسيف الدولة وفاتح المدرس ومحمد قجة ونذير جعفر وصباح فخري وميادة الحناوي.
قلعة حلب
لاشك أن قلعة حلب الشامخة تعاقب على حكمها الحيثيون والآشوريون والعرب والمغول والمماليك والعثمانيون، فهي تعود إلى القرن الثالث عشر، مسجدها الكبير، الذي بني في القرن الثاني عشر، ومدارسها وقصورها وخانات القوافل وحماماتها المبنية في القرن السابع عشر، كلها مجتمعة تضفي على نسيجها الحضري طابعاً متناسقاً وفريداً، ومازالت أسواق حلب القديمة التي تطل عليها القلعة، تعج بالحياة والعمل وقد حفلت بكل ما يحتاج إليه الإنسان.


تقف قلعة حلب الضخمة، وهي تطل على الأسواق والمساجد والمدارس في المدينة القديمة المسوّرة، وتتجلى في القلعة جوانب التنوع الثقافي والحضاري الذي شهدته على مر العصور، ففيها شواهد على حضارات تعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد وصولاً إلى الحقب الإسلامية وما خلفته هذه من آثار لا تزال بقاياها قائمة مثل المساجد والقصور والحمامات.
كما نجد في المدينة المسورة التي نشأت حول القلعة أدلة على مخطط لشارع يعود لفترة مبكرة من التأثيرات اليونانية-الرومانية، وبقايا مبان مسيحية تعود إلى القرن السادس، تليها أسوار وبوابات تعود للقرون الوسطى، ثم مساجد ومدارس تعود للفترتين الأيوبية والمملوكية، وأخيراً مساجد وقصور من الفترة العثمانية.
أربعة أسواق جديدة
شهدت حلب مجدداً عودة ٤ أسواق جديدة بعد ترميمها، وهي سوق الأحمدية وسوق الحدادين وسوق الحبال وسوق السقطية الشرقي، مع استمرار ترميم وتأهيل باقي الأسواق ليعود الألق إليها… وخلال حضوره افتتاح الأسواق قال ممثل السيد الرئيس بشار الأسد – أمين عام رئاسة الجمهورية منصور عزام : إن العمل بترميم أسواق حلب القديمة تم بجهود أبناء حلب والأمانة السورية للتنمية ودعم من رئاسة الجمهورية، مضيفاً أن العامل الأهم في ترميم الأسواق وعودتها للحياة صمود أبناء حلب ومشاركتهم في الترميم، والأهم أهالي الأسواق وإرادتهم التي غيرت حال الأسواق من أسواق مدمرة إلى أسواق تضج بالحياة.


نعم، منذ سنوات والدولة السورية تولي الاهتمام بكل المدن السورية، ومنذ تحرير مدينة حلب من رجس الإرهابيين على أيدي رجال الجيش العربي السوري شهدت حلب تنفيذ مئات المشاريع الخدمية والتنموية التي من شأنها إعادة نبض الحياة إلى عاصمة الاقتصاد، وحاضنة الصناعة، ومنبع الثقافة والفن والموسيقا.
خلال السنوات السابقة وبفضل توجيهات السيد الرئيس بشار الأسد تحولت حلب إلى ورشات عمل حكومي ومجتمعي في شتى المناحي الصناعية والتجارية والخدمية، ساهمت في معظمها بإعادة نبض الحياة إلى مدينة لم تعرف يوماً من الأيام التوقف ولو للحظات.
وقد قامت الحكومة ومن خلال مؤسساتها والجهات الخدمية الأخرى بوضع خطط عمل ورؤى واستراتيجيات اشتملت على البنى التحتية – المشيدات العامة – المباني السكنية، للعمل ولترميم بعض الأحياء التي تعرضت للإرهاب إلى تاريخ اللحظة.
حلب في عيون المبدعين
لاشك أن الكثير من المبدعين كتبوا وأنشدوا ورسموا ولايزالوا عن مدينة حلب فمثلاً رصدت حركة تطور الفن التشكيلي بحلب توثيق العديد من لمحات الحضارة لمبانيها التاريخية، فجاءت هذه الأعمال بشكل منظور عفوي، واقترنت بجمال مبانيها وقلعتها وعمرانها التي جذبت اهتمام الفنانين، في حين أصدر ابن مدينة حلب الناقد نذير جعفر كتاباً حمل عنوان: قالت الحرب شهادات ونصوص.. صدر عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق.. فقال: حاولوا في الثمانينات قتل روحها وجرها إلى مستنقعات ظلامهم وعفن أفكارهم لكنها انتصرت عليهم بعزيمة أبنائها الأوفياء وعقولهم المستنيرة وتضحيات جيشهم الشجاع، ومع بداية خدعة الربيع العربي المشؤوم حاولوا من جديد زجَّها في حربهم الظالمة على الوطن فأبت الانقياد خلف نعيق غربانهم السوداء المنذرة بالخراب وصمد معظم المثقفين فيها ورجال الدين وابناؤها ومحبوها المخلصون فجاؤوا بغوغائهم وسوقتهم ودهمائهم من البعيد الواقع تحت تأثير «الجهادية التكفيرية والإغراءات الماكرة»، وزجُّوا بهم في أحيائها المتطرفة وبدأت عمليات تسلل الإرهابيين الغرباء القادمين عبر تركيا أفواجاً أفواجاً حتى سمموا الماء والهواء والتراب وقسموا حلب الواحدة أم الجميع إلى نصفين، ليبدأ نزيف الدم على يد عصابات الإجرام من كل أصقاع العالم.


هذا النزيف الذي طال أبناءها كلهم، فقتل آلاف الأبرياء وهدمت ونهبت مئات آلاف المنازل، لكن حلب الولادة بروحها الباسلة وعنوانها وإصرارها على الحياة انتصرت، وكما صمدت وحمت بلاد الشام من الروم والتتار والمغول ستحمي سورية من الفاشية الجديدة المتمثلة في الغرب المتوحش وأدواته الرخيصة.
ولعل الشعر واحد من الفنون التي حضرت وانتعشت في حلب، وبلغت ذروة مجدها في عصر الحمدانيين، والمتنبي، وابن عم سيف الدولة الحمداني، أبو فراس الحمداني.
ولعل أشهر قصيدة كانت للمتنبي في وصف حلب:
لا أقمنا على مكان وإن طاب .. ولا يمكن المكان الرحيل
كلما رحبت بنا الروض قلنا .. حلب قصدنا وأنت السبيل
فيك مرعى جيادنا والمطايا.. وإليها وجيفنا والذميل
كما قال فيها البحتري :
أمرر على حلب ذات البساتين.. والمنظر السهل والعيش الأفانين .
أما الشاعر الدمشقي نزار قباني فقال :
كل الدروب لدى الأوربيين توصل إلى روما
كل الدروب لدى العرب توصل إلى الشعر
وكل دروب الحب توصل إلى حلب
في الختام : لم تبتعد حلب لحظة عن أولويات الوطن ولم تبدل من عمق حضورها داخل كل مشهد، لا بل أرادت لتجربتها أن تكون العنوان والمثل للعطاء والانتماء والإبداع.
ستبقى حلب كما باقي المدن السورية عصية على الإرهاب مدينة الحضارات، والأوابد الأثرية، مدينة العلم والثقافة والفن والموسيقا والموشحات والقدود.. حلب في نبض القلب وخفقة العين ونورها، حلب القلعة وأهلها الشرفاء الوطنيون كانت وستبقى في كل بيت، في حلنا وترحالنا، المدينة الشامخة ..
سنعيد إعمارك، فأنت درة الشرق وجوهرة سورية شاء من شاء وأبى من أبى ..فمرحباً يا حلب.

 

آخر الأخبار
تعاون متجدد بين وزارة الطوارئ واليونيسف لتعزيز الاستجابة تبادل الخبرات والاستثمارات السياحية مع الإمارات اجتماعات وزارية مشتركة في الرياض.. فرص استثمارية واعدة وتعاون زراعي استكمال مشروع دار المحافظة بدرعا ينطلق من جديد حماة تستعد لانطلاق مهرجان ربيع النصر إدخال بطاطا وخضار مستوردة يلحق خسائر  بمزارعي درعا طرطوس تبحث رؤيتها الاستثمارية والتنموية أبناء عشائر السويداء يؤكدون حقهم في العودة لمنازلهم وأراضيهم منصة صحية ومركز تدريب سعودي- سوري مستشفى دمر التخصصي بالأمراض الجلدية يفتح أبوابه لخدمة المرضى الاستثمار في سوريا قراءة في تجارب معرض دمشق الدولي الليرة تتراجع والذهب يتقدم "تجارة حلب".. إعادة تنشيط الحركة الاقتصادية مع وفد تركي "إدمان الموبايل".. خطر صامت يهدد أطفالنا د. هلا البقاعي: انعكاسات خطيرة على العقول السباق النووي يعود إلى الواجهة.. وتحذيرات من دخول 25 قوة نووية جديدة ترامب: اتفاق وشيك لوقف إطلاق النار في غزة.. و"حماس" مستعدة للتفاوض الحرب الروسية - الأوكرانية.. بين "التحييد الاستراتيجي" والتركيز على "العمليات الهجومية" أسماء أطفال غزة تتردد في شوارع مدريد العراق يعيد تأهيل طريق استراتيجي لتنشيط التجارة مع سوريا التحولات السياسية وانعكاسها على رغبة الشباب السوري المغترب بالعودة