الثورة – ديب علي حسن:
يروى من باب الطرفة السياسية أن أحد وزراء خارجية أميركا صعد الطائرة وحين سأله طاقمها إلى أين الوجهة؟
أجاب لا يهم.. أينما أردتم، ففي كل مكان في العالم لدينا ما نقوم به.. نشعل حرباً أو نزيدها اتقاداً.
هذه الطرفة لم تأت من فراغ أبداً إنما من فكر من أطلقوا عليهم (الآباء المؤسسون) الذين طرحوا فكرة أن أميركا أمة القطيعة، أي أنها مكلفة برسالة سماوية لأمركة العالم.
وقد اختصر أحد رؤسائهم الأمر بقوله: قدرنا أمركة العالم.
في هذه الاستراتيجيات العدوانية التوسعية ومنها يعملون وكل مكان في العالم حسب ادعائهم هو لهم ويجب أن يدور في فلكهم.
الصين كانت وما زالت الهدف الذي عملوا من أجل أمركته، ولكنهم باؤوا بالإخفاق..
كواليس وأسرار وخفايا وخبايا هذه المحاولات يكشف عنها كتاب على غاية من الأهمية والدقة حمل عنوان: “التاريخ الخفي للكارثة الأميركية في آسيا”.. تأليف: جيمس برادلي.
وقد ترجمه إلى العربية الأستاذ الدكتور نايف ياسين وصدر عن الهيئة العامة للكتاب بدمشق منذ أيام.
الكتاب وثيقة مهمة جداً لا يمكن اختزالها أبداً ولكن لا بد من الوقوف عند بعض المحطات والأقوال والفصول التي يعالجها الكتاب الذي يجب أن يكون في كل مكتبة ثقافية وسياسية ويجب عقد ندوات حوله ليصل ما جرى في الكواليس إلى من يظنون أن واشنطن هي الملاذ وهي اليد الرحيمة.
في مقدمة الكتاب ثمة استهلال من أقوال الرئيس الأميركي الأسبق تيودور روزفلت يقول فيه: ينبغي أن تكون سياسة اليابان المستقبلية حيال الدول الآسيوية شبيهة بسياسة الولايات المتحدة حيال جيرانها.. إن عقيدة مونرو يابانية ستلغي الإغراء بقيام تعديات أوروبية وسيعترف باليابان قائدة للأمم الآسيوية.
أما الرئيس فرانكلين روزفلت فيرى (على مدى أكثر من قرن من الزمن سيكون الشعب الصيني قد أصبح فكراً وأهدافاً أقرب إلينا نحن الأميركيين من شعب آخر في العالم.. المثل العظمى نفسها لقد أضحت الصين على مدى أقل من نصف القرن الماضي إحدى أعظم ديمقراطيات العالم).
هذا الغزل السياسي مبني على فكرة راودت حينها الإدارة الأميركية أنه يمكن العمل التبشيري في الصين.. (وعلى مدى أجيال كان الحلم الأميركي بصين جديدة يقطنها مسيحيون متأمركون يدفئ قلوب الأميركيين، ثم بدأ لوبي صيني بتمويل خارجي يتعزز ببطء في مطلع ثلاثينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة يجتذب أنصاراً أقوياء في الحكومة الأميركية ووسائل الإعلام وعلى منابر الوعظ والتبشير في سائر أنحاء البلاد.. بحلول عام ١٩٤١ كان عقد من دعاية اللوبي الصيني قد ضخ في الكنائس والرؤوس الأميركية وأقنع الأغلبية الساحقة من الأميركيين بأن صيناً جديدة مسيحية ومتأمركة ستزدهر بوصفها أفضل صديق لأميركا في آسيا إذا أخرجت الولايات المتحدة الجيش الياباني من الصين..).
وبعد أكثر من ١٣ فصلاً في الكتاب المتميز هذا تستغرق أربع مئة صفحة يصل المؤلف إلى خلاصات منها لو أن الأميركيين لم يقصوا الصينيين من فسيفسائهم الاجتماعية لكانوا قد حظوا بجسر من التضامن عبر المحيط الهادي.
ويرى أنه لم يكن تيودور روزفلت وفرانكلين روزفلت أول وآخر أشخاص يتخيلون الصين الجديدة.. فمازال الكثيرون يشعرون بالرغبة في أمركة آسيا.
خلاصة القول: الكتاب سفر من الوثائق المهمة جداً جاء في الوقت المناسب اختياراً وترجمة.. ولابد من الإشارة إلى أن المؤلف متخصص في الدراسات الآسيوية.
أما الأستاذ الدكتور نايف الياسين فقد أثرى المكتبة العربية بالعديد من الكتب العلمية والفكرية المترجمة التي صدرت في سورية وخارجها.