الملحق الثقافي-سعاد زاهر:
كانت تجلس على طاولة مطعم يطل على الشارع الرئيسي مباشرة، وبسبب ازدحام السياح في هذا الوقت من العام، اضطررت بالجلوس على طاولتها، حينها لمحت احمرار عيني الجالسة أمامها مع حزن عميق على وجهها الشاحب متماهياً مع لون شعرها الأشقر.
مضى بعض الوقت دون المبادرة بأي حديث، ولكن حين أتى أحدهم ليحدثها يبدو أقرب إلى البدانة بنيته سمراء قوية ملامحه حادة وغاضبة، بدت تهتز كورقة على وشك الاحتراق، سرعان ما ركضت إليه وعادت إلى الطاولة وهي تبكي بصوت عال.
أمسكت منديل وقدمته لها وبإنكليزية شاحبة أيضاً سألتها عما بها؟
لم تكمل سؤالها إذ بالشابة تنفجر بالبكاء مرة أخرى، وتحكي لها عن معاناتها بتفاصيلها مع زوجها ولما كان المطعم تايلندياً بدا الحديث يشبه أنواع الصلصة الموضوعة بفخارات صغيرة وبأوان مشرقة لكنها حارة ولاذعة وغريبة الطعم.
بينما زوجها يقبل مرة أخرى، انتبهت أن عدوى الحزن والغضب على الزوج انتقلت إليها ولم تعد تطيق المكان كله، غادرت اختارت رغم حرارة الجو الرهيبة الجلوس في الخارج، ومع ذلك حين لمحت ثلاثة أطفال من ذوي البشرة السمراء يجلسون مع والدتهم بينما يقبل والدهم حاملاً طفلته الرابعة الصغيرة ذات الجمال اللافت شعرت بانزياح الغمة المفاجئة التي سببتها تلك المرأة التعيسة، تعمقت حالة الفرح حين لمحت ثنائياً يضحكان ويتحدثان بلغة لم تفهمها.
عدوى الفرح انتقلت إليها وسرعان ما شعرت بقدرة فائقة على الانطلاق صوب تلك الٍأمكنة التي يفترض بها زيارتها رغم أنها سائحة مزمنة لدبي تجوب الطرقات ذاتها وتستمتع كأنها المرة الأولى، مع كل هذا الخليط البشري في مدينة اشتهرت بالأطول في العالم وها هي لا تركن على حال تسابق الزمن كي تجعل سائحيها يشعرون بسعادة غامرة.
حين فتحت الإشارة الحمراء انطلق موج من البشر، خليط من كل الجنسيات لا أحد ينظر للآخر، لا أحد يهتم بما يفعل الآخر، كل على دربه الخاص يمضي كأنه يسابق الزمن في مدينة لا تهدأ ليل نهار..
كأنهم يكررون قول فيتزهيو مولان «توقف عن القلق بشأن العقبات في الطريق واحتفل بالرحلة.»
العدد 1204 –10 -9 -2024