الثورة – طرطوس – تحقيق فادية مجد:
معاناة مزارعي التبغ في محافظة طرطوس بمصدر رزقهم الذي يعيشون منه لاتزال مستمرة في ظل الارتفاع الكبير لتكاليف إنتاجه، ورغم الآمال الكبيرة التي عقدت برفع أسعار شرائه، جاءت التسعيرة الجديدة غير مناسبة بعد صدور التسعيرة الجديدة التي وافقت عليها رئاسة مجلس الوزراء، والتي لا تتناسب إطلاقاً مع تكاليف زراعته الباهظة وجهدهم المبذول.
“الثورة” سلطت الضوء على رحلة زراعة محصول التبغ في المحافظة وتكاليف زراعته وأسعاره ومطالب مزارعيه..
– رحلة الزراعة المضنية..
رئيس الرابطةِ الفلاحية في بانياس حسن محمد إبراهيم شرح لـ”الثورة” رحلة زراعتهم لمحصول التبغ مبيناً أنه يعتبر محصولُ التّبغ من المحاصيلِ الرّئيسة في قطّاع رابطة بانياس، بلْ الأهم والوحيدْ بالأرياف وخاصة الصّنف المزروع /شك البنت/.
وعن عملية زراعة محصول التبغ أشار إلى أن رحلة الفلّاح مع شتلةِ التبغ تبدأ منذ الشّهر العاشر من كل عام، ويقوم بإنشاء المساكب والتي تحتاج إلى قرابة ثلاثةَ أشهرٍ حتّى تصبح الشّتول جاهزة للنقل إلى الأرض، وخلال هذه المدّة يقوم الفلّاح بالعناية والمكافحة الدوريّة للمساكب كل ثلاثة إلى خمسة أيام وسطياً.
– ارتفاع تكاليف زراعته..
ولفت إلى أنه خلال فترة تجهيز الأرض يقوم الفلّاح بحراثتها ثلاث مرات في شهر تشرين، ومرّتين قبل عملية زراعة الشّتول من شباط وحتى شهر نيسان وذلك حسب كلّ منطقة وارتفاعها عن سطحِ البحر، بعد أن يكون أضاف لها السّماد العضوي والأسمدة الكيماويّة إنْ توفّرت له القدرة على ذلك. موضحاً أن جميع العمليّات الزراعية السابقة مكلِفة جداً، حيث إن ساعة الفلاحة بالجرار تفوق 150ألف ليرة، والعزّاقة 50 ألفاً، أما السّماد العضوي للسيارة متوسطة الحجم فتفوق المليون ونصف ليرة، فيما يبلغ سعر السماد 600 ألف ليرة للكيس الواحد، كما تحتاج كلّ واحدةِ مساحةٍ بين 300 إلى400 متر مربع إلى صهريجين مياه لعمليّة التّشتيل بكلفة 250 ألف ليرة لكلِّ مقطورةٍ تزيدُ أو تنقصُ قليلاً حسب المسافة المقطوعة.
وبعد عملية التّشتيل تبدأ رحلةٌ جديدةٌ للفلاّح تمتدُّ حوالي ثلاثةَ أشهرٍ من العنايةِ بالمحصول يتخلّلها كلّ أنواع العمليات الزراعيّة من تعشيب وحفر ومكافحة وقطف وشك وخيطان، وتعليق بالمناشر لمدّة شهر ونصف وهي عمليّات مكلفة مادياً، حيثُ يحتاج التّبغ إلى رشٍّ بالمبيدات المتنوّعة كلّ 15يوماً، وإلى كميّات إضافية من الأسمدة.
عملية تسليمه.
ويضيف ابراهيم: وبعد هذه العملية الطويلة والمتعبة يصبح المحصولُ جاهزاً للبيع أو للاستخدام، وكون زراعةَ التبغ تنحصرُ بالمؤسسةِ العامّة للتبغ تشكَّلُ لجنةٌ من المؤسسةِ ومندوبٌ من اتّحاد الفلّاحين تحدِّدُ السّعر وترفع توصياتها إلى مجلس الوزراء، منوها بأنّ الفلاح يسلِّمُ جزءاً مِن محصوله للمؤسسةَ بحسَبِ المساحة المزروعة لديه، علماً أنّ الحدّ الأعلىٰ لمنحِ الترخيص 2000 متر مربع، مبينا أنه يسمحُ له بزيادةٍ على الكمّية المُسَلّمةِ من التّبغ بنسبة 20 بالمئةِ ونقصان10 بالمئةِ.
– تباين أسعار اللجنة.. والسوق الخاص
وأوضح أنه ومن خلال التّباينِ بينَ الأسعار الّتي حدّدتها اللجنةُ الاقتصاديّةُ وأسعار السّوق الخاص أصبح هنالِكَ فجوةً بين الفلّاح والمؤسسةِ، مؤكداً أنّ صِنف شكّ البنت يتمُّ شراؤهُ بالدّرجاتِ التاليةِ لكلّ 1كغ درَجة اكسترا 29000 ليرة، درَجة الأوّل 21000 ليرة، درجة الثّاني 14000 ليرة، درجة الثّالث 8000 ليرة، لافتاً إلى أنّ هنالِك تسمياتٌ في الشّراء ليسَ لها قيمةٌ ماليّة /عديم النفع.. عيدان.. نَبتْ ثاني/، مشيراً إلى أنه في السوق الخاص يقوم الفلّاح ببيع 1كغ ورق وسطيّاً بـ 150ألف ليرةـ وفي بعضِ المناطق تجاوز 300 ألف ليرة، وأقل سعر 75000 للمنتَجِ السيئ، علماً أنّ كلفة إنتاج 1كغ تزيد عن50 ألف ليرة، عدا عن كون التبغ زراعة اجتماعية أسريّة لا تُحسَب فيها أتعابُ الأسرةِ على مدار العام، ولذلك يعتبرُ الفلّاح نفسَه مظلوماً جداً والأسعار غير مرضيةٍ وخاصّة أنَّه لا يزرَعُ أرضَه إلّا بموسم واحد على مدار العام بسبب نِدرةِ المياه.
– وحرمان من الأسمدة!..
وإضافة لكل المعاناة السابقة أكد رئيس الرابطة الفلاحية في بانياس أن مزارعي التبغ حُرِموا هذا العام من الأسمدةِ الآزوتيّةِ بسببِ كتابٍّ موجّهٍ للمصرفِ الزراعيّ بأنّ نبات /شك البنت/ لايحتاجُ إلى أسمدةٍ آزوتيةٍ، علماً أنّ الكتاب من المؤسسة العامّةِ للتبغِ، رغم أن الأسمدة الآزوتية تعتبر من أهم احتياجات الفلّاح ولهذا يضطر للحصول عليها من السّوق الخاص وبسعرٍ مرتفعٍ.
– مطالبة بقروض موسمية..
وطالب إبراهيم باسم مزارعي التبغ بخفض سعرِ المبيدات الزراعيّة وخاصّةً أنّ معظمها منتجٌ وطنيٌ، مع العمل على إنشاء سدّات أو رامات للاستفادةِ من مياه الأمطار، ومنحهم أيضاً قروضٍ موسميّة من المصرف الزراعيّ تساعدهم بتجهيزِ مستلزمات الإنتاجِ لكلّ موسمٍ، مع العمل على تنفيذ المطلب الأهم وهو زيادةُ الأسعارِ لتساعدهم على مواجهةِ الحالة الاقتصاديّة الصّعبة في محصول التبغ الذي يعتبر محصولهم الأساسي الذي يعتمدون عليه.
– مؤسسة التبغ الضامن..
وأشار إلى أنهم كرابطةِ فلاحية في بانياس يعتبرون أنّ المؤسسة العامّة للتبغ هي الضّامنُ القانونيُّ لمزارع التّبغ والسّند الحقيقيُّ لَهُ وخاصّةً عندما يتعرّض موسم الفلّاح للتلف جرّاء الأحوال الجويّةِ القاسيةِ وكما أنّها تمتلك جِهازاً زراعياُ متكامِلا ومُنظَّما من مُهندسين وفنّيين لخدمةِ الفلّاح.
– لماذا لا تقوم المؤسسة بدور التاجر؟!..
وختم إبراهيم كلامه بطرح التساؤل التالي.. وهو طالما تجّار القطّاع الخاص يقومونَ بشراءِ جميع الكميّات الموجودةِ لدى الفلّاح وبأسعارٍ ذُكِرَت سابقاً، وباستطاعتهم تصريف هذا المنتج بالسّوق المحلّي، فلماذا لا تقوم المؤسسة بهذا الدّور وبأسعارٍ منافسةٍ، وهي تصنعُ المنتج أو تبيعه للقطّاع الخاص، وبالتّالي تصبحُ الفائدةُ للخزينةِ العامّة وليست لِبضع تجّار، وخاصّة أنّ المؤسسة هي من المؤسسات الرّائدة والنّاجحة وبإمكانِها إصدار ما يلزمُ قانونياً، وعلى المعنيين اعتبار زراعة التّبغ من أحدِ المشاريعِ الصّغيرة، وهي تشجّع النّاس على التّمسّك بأرضهم بدلاً من الهجرة إلى المدينة، مع العمل على منحهم أسعاراً مضاعفة عن القطّاع الخاص لكي يتشبّثوا بأرضهم وقراهم ومدارسهم.
من جهته رئيس الرابطة الفلاحية في القدموس هيثم سليمان أوضح أن الأسعار الممنوحة من المؤسسة العامة للتبغ /29000 ليرة/ للكغ من الصنف إكسترا، ويتدنى هذا المبلغ حسب التصنيف أول – ثاني – ثالث – عديم النفع /أو عيدان/ ويبلغ المتوسط إجمالاً أقل من 15000 خمسة عشر ألف ليرة، وأصبح هناك طلب على المادة / شك البنت/ ووصل سعر المبيع إلى 125000/ ليرة.
وأفاد سليمان أنه بالنظر للفارق الكبير بين السعر الرائج وسعر الدولة، فإن المزارعين يقومون بالحفاظ بالحد الأدنى على علاقتهم مع المؤسسة، ويسلمون جزءاً من هذا الإنتاج للدولة، ويتم بيع الجزء المتبقي بالسعر الرائج، هذه المعادلة التي حرص فيها المزارعون على بقاء الدولة كضمان لهم من جشع التجار، وهم يأملون باستمرار الأريحية بالتعاطي مع الأمر، بدلاً من قيام المؤسسة بإلزام الفلاحين بتسويق كل الكميات المنتجة وبالأسعار الزهيدة لها.
وأضاف سليمان: إن الكلفة الكبيرة والوقت الطويل لإنتاج صنف شك البنت يحتاج إلى تحفيز المزارعين ودعم هذه المادة، فهي تؤمن دخلاً جيداً للاقتصاد وهذا ملموس من خلال أسعار التبغ الجاهزة /السكائر/.
وذكر سليمان أن كل واحد دونم من التبغ يحتاج إلى كيس سماد نوع يوريا بسعر 580000 إلى 650000ليرة، لأن المؤسسة لا تسمح بتزويد السماد الآزوتي لصنف شك البنت، وقد حرمت كل مزارعي هذا الصنف في كل المناطق من سماد الآزوت.
أما كيس سوبر فوسفات /ترابي/ فيصل سعره إلى 300000 ليرة، والذي يتم تسليمه عن طريق المصرف الزراعي، 1/2 كغ مادة فطرية / بسعر 500000/ ليرة، ومانع تبرعم نصف لتر سعره 175000 ليرة، كما نحتاج من 50 إلى 100كيس سماد طبيعي، يصل سعر الكيس الواحد منه إلى ٢٠ ألف ليرة، عدا عن الأدوية والخيوط وأجور النقل وأسعار المناشر.
– اعتراض ولا نتيجة..!!..
ولدى تواصلنا مع رئيس اتحاد فلاحي طرطوس فؤاد علوش، أفاد أن المساحات المزروعة بالتبغ على مستوى محافظة طرطوس تبلغ 3400 هكتار، وهي زراعة تشكل مصدر رزق للكثير من العائلات التي تسكن المناطق الجبلية، مشيراً إلى أن زراعة التبغ تتركز في مناطق القدموس، الشيخ بدر، جرد بانياس.
وأكد علوش أن الأسعار التي وافقت عليها رئاسة مجلس الوزراء لشراء التبغ غير عادلة بالنسبة للمزارعين، قياساً بارتفاع تكاليف الإنتاج من جهة والجهد المبذول من جهة ثانية، وقد كان هناك اعتراض من قبلنا على تلك الأسعار، وقمنا بمحاولات لرفعها، ولكن لم نوفق في ذلك ولم نصل لنتيجة بعد.